يوم أمس كان يوماً من أيام غزة في لبنان، نحو 300 شهيد وأكثر من ألف جريح كانت حصيلة الضربات الجوية التي شنها العدو الإسرائيلي على الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية، ليرتفع عدد الإصابات في أقل من أسبوع إلى ما يقارب 5000 إصابة، فهل دخلت الحرب الإسرائيلية على لبنان نقطة اللاعودة؟
يستمد هذا التساؤل موضوعيته وحراجته من التطورات الميدانية التي أعقبت زيارة الوسيط الأميركي آموس هوكشتين إلى تل أبيب والتي بدأت بتفجير شبكة إتصال حزب الله وتحييد أكثر من ألفين من كوادره ومقاتليه، وتنفيذ هجمات غير مسبوقة على المئات من منصات إطلاق الصواريخ بهدف تدمير قدراته النارية. لكن الحدث الأكثر إثارة كان في اغتيال قادة من الصف الأول في مقدّمتهم قائد كتيبة الرضوان إبراهيم عقيل في أول هجوم على مجمع سكني في الضاحية الجنوبية، تلاه هجوم آخر استهدف علي كركي بعد أقل من 24 ساعة على تسلمه قيادة الرضوان؟
تشكّل هذه الإعتداءات المتتالية سلسلة مترابطة من العمليات المنسّقة التي تتجاوز مفاعيلها رد الفعل على هجمات ينفذها حزب الله على مواقع عسكرية للعدو، أو استخدام القوة لدفع حزب الله للعودة عن قراره بربط وقف هجماته بالتوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة. من جهة أخرى يؤشر تصاعد الهجمات الإسرائيلية والأبعاد الجديدة التي اتخذتها مع ضرب منظومة الإتصالات، واستخدام الذخائر الخارقة للتحصينات لاغتيال قادة في “وحدة الرضوان” في الضاحية الجنوبية، إلى تدخل أميركي واضح المعالم. وليس في تحذير وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن للاعبين الإقليميين من التدخل في المواجهة بين حزب الله وإسرائيل، وفي عودة حاملة الطائرات”يو إس إس ترومان” إلى شرق المتوسط ـــــــــ لتنضم إلى حاملة الطائرات “يو إس إس ثيودور روزفلت”، وفرق الهجوم البرمائي، وأكثر من 4 آلاف جندي من مشاة البحرية والبحارة ــــــــ سوى تأكيد أن لواشنطن أهدافاً بعيدة المدى تتجاوز بكثير عودة الحدود الجنوبية إلى ما كانت عليه قبل إنطلاق “حرب الإسناد” في الثامن من اكتوبر 2023، أو عودة المستوطنين إلى شمال إسرائيل وهي عناوين لم تعد كافية لتغطية هذا العدوان المتمادي.
يتمدد العدوان الإسرائيلي على لبنان بعد غزة في المساحة الأميركية المتاحة، حيث تفرض الأساطيل المنشرة في المنطقة قواعد الإشتباك على اللاعبين الإقليميين كافة منذ إندلاع عملية طوفان الأقصى، ولم تكن مسارعة طهران في حينه إلى التنصل من أي علاقة لها بما أقدمت عليه حركة حماس سوى إعلان الإذعان لقواعد الإشتباك الأميركية. وبدورها لم تكن التأكيدات التي أعلنها وزير الخارجية الايراني السابق أمير حسين عبد اللهيان أكثر من مرة بأنّ فصائل المقاومة في المنطقة تتخذ قراراتها بنفسها، ولا تتلقى الأوامر من إيران، سوى إعلاناً واضحاً لفك الإرتباط بين طهران وأذرعها والتخلي عن الإلتزام بوحدة الساحات. هذا وقد كررت طهران الإنصياع لقواعد الإشتباك الأميركية في أكثر من مناسبة ليس أكثرها دلالة الرد المنسق على قصف قنصليتها في دمشق والإحجام عن الرد على اغتيال إسماعيل هنية في قلب طهران. بهذا المعنى يصبح الرهان على تحرر طهران من قواعد الإشتباك الاميركية لقلب ميزان القوى في غير محله ويصبح تكرار تجربة غزة في لبنان إحتمالاً قائماً.
أمام هذا الإمعان الإسرائيلي في تدمير لبنان وفرض التهجير على مئات الآلاف من اللبنانيين وانسداد الأفق الدبلوماسي، وفيما يفترض الموقف التحلي بالمسؤولية الوطنية وتأجيل إلقاء التبعات على من أوصل لبنان الى ما وصل إليه، تقتضي الشجاعة الأدبية من حزب الله أن يصارح اللبنانيين الذين يتحملون اليوم مخاطر خياراته بالمسوّغات التي أدت الى إتخاذ القرار بمساندة غزة، وبجدوى عدم التراجع عن هذا الخيار في الوقت الذي تسعى فيه طهران الى ترشيق مواقفها الدولية بما يتلاءم بل بما يتماهى مع الإملاءات الأميركية في المنطقة وبصرف النظر عن الأثمان التي دفعها أو سيدفعها لبنان وسائر دول المنطقة المنضوية في محور الممانعة.
لم تنظر طهران يوماً الى الجغرافيا اللبنانية إلا كمنصة تتوخى منها المشاركة في أمن المنطقة ومخاطبة الولايات المتحدة من بوابة الحدود الشمالية لإسرائيل، ولم يكن إطلاق عملية إسناد غزة برغم عدم جدواها وبالرغم من الخسائر التي تحملها لبنان سوى قراراً اتخذته طهران ويعود لها وحدها إلزام حزب الله بالتراجع عنه. وبهذا المعنى أتى تصريح الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ليل أمس من نيويورك فوق أشلاء ودماء اللبنانيين” مستعدون للحوار مع واشنطن وحل الخلافات ويجب عليها الالتزام بتعهداتها ….ومستعدون لوضع كل أسلحتنا جانباً لكن السؤال هو عن مدى استعداد إسرائيل لفعل الشيء نفسه، ومستعدون للعمل على خفض التوترات في المنطقة”.
بهذا السياق تصبح عملية إسناد غزة التي أطلقها حزب الله خياراً إيرانياً لحرب قد لا تتوقف فهل يتحوّل لبنان الى غزة جديدة
العميد الركن خالد حماده – اللواء