الجمهورية
صحيح انّ الرئيس سعد الحريري قرر تعليق العمل السياسي والنشاط النيابي حتى إشعار آخر، لكنّ الصحيح أيضاً ان الرجل لا يزال حاضراً بغيابه في المعادلات الانتخابية.
هناك في الساحة السنية، وربما خارجها كذلك، من يفترض انّ الرئيس سعد الحريري سيمرّر قبل 15 ايار الكلمة الفصل حيال المشاركة في الانتخابات النيابية، تحت ضغط الرياض والمفتي اللذين يحضّان الناخبين، خصوصاً السنّة منهم، على الاقتراع.
ويبني هؤلاء رأيهم على تقدير يفيد بأن الحريري لا يستطيع ان يتحمل كلفة المواجهة مع مرجعيتين قادرتين على مَنحه «الشرعية السنية» او حجبها عنه، واحدة إقليمية هي السعودية وأخرى داخلية هي دار الفتوى.
ولكن هل هذه الحسابات دقيقة؟ وكيف يمكن أن يتصرف الحريري؟
تؤكد مصادر تيار المستقبل انّ اي موقف او بيان لن يصدر عن الحريري قبل الأحد المقبل في شأن المشاركة او المقاطعة، مشيرة الى انه سيترك للناخبين السنّة حرية الخيار انطلاقاً من ثقته في وعيهم السياسي، «وهو لن يضع يده على توجهاتهم ولن يحدد لهم ما الذي يجب أن يفعلوه».
وتلفت المصادر إلى أنّ الحريري لم يدعُ عند الإعلان عن تعليق العمل السياسي الى المقاطعة، «الا انّ هناك فئة وازنة اختارت من تلقاء نفسها عدم المشاركة لأنها تشعر بأن الانتخابات لا تعنيها في ظل غياب الحريري عنها، وبأن لا أحد غيره يمكن أن يمثّلها، ونحن نحترم رأيها، كما نحترم ايضا خيار من يريد الاقتراع».
وتعتبر المصادر ان لا شيء يستدعي صدور توجيه رسمي عن الحريري قبل الأحد، «وقرار الاقتراع من عدمه يعود إلى الجمهور وحده».
وتستغرب المصادر كيف أن بعض الجهات تتصرّف كأنها تخوض الانتخابات ضد الحريري تحديداً في حين انه غير مرشّح اليها وغير مُنخرط فيها، لافتة إلى ان من المفارقات العجيبة ان «البعض كان يتهمه خلال وجوده في السلطة بخدمة «حزب الله»، وهذا البعض نفسه يتهمه اليوم ايضا بأنه يخدم الحزب وهو خارج السلطة والعمل السياسي». وتتابع: لقد حيّرتونا معكم، اعتمدوا معيارا واحدا حتى نعرف ماذا تريدون بالضبط.
وتشدد المصادر على أنّ التسويات التي أبرَمها الحريري، ومن بينها ربط النزاع مع «حزب الله»، كانت ترمي بالدرجة الأولى الى حماية الاستقرار الداخلي والسلم الاهلي، أما انتم فما هو بَديلكم الواقعي «شمّروا عن زنودكم وفرجونا شو فيكم تعملوا».
وتعتبر مصادر «المستقبل» ان القول إنّ امتناع الحريري عن دعوة جمهور تياره الى الاقتراع سيُفسح في المجال أمام فوز مرشحين سنّة مدعومين من الحزب، انما يندرج في إطار الدعاية الرخيصة التي تهدف الى المزايدة واللعب على الوتر السني الشيعي، مشيرة الى انّ هناك مرشحين كثراً آخرين في الوسط السني.
وتعتبر المصادر انّ السلوك المتوتر للمسكونين بهاجس الحريري يدلّ على اعترافهم الضمني بقوته وعجزهم عن المواجهة، مشيرة الى انّ الحريري يبدو الاقوى حضوراً في غيابه.
وتلفت المصادر إلى أنه توقف عن تقديم الهدايا المجانية، وهو لن يمنح أياً منها لأحد بعد الآن، مضيفة: «لقد سبق له ان اعطى حلفاءه ما يكفي من الهدايا السياسية، وفي المقابل لم يحصل منهم إلا على الجحود كما فعلت القوات اللبنانية عندما كان يحاول تشكيل الحكومة. وبناء عليه، لن نسمح لأي كان بأن يتسلّق مرة أخرى على أكتافنا».
وعمّا يُحكى عن غضب سعودي على الحريري بسبب عدم دعوته قواعد تيار المستقبل الى الاقتراع بشكل صريح، تؤكد المصادر انها لن تَنجَر الى المهاترات التي تصدر عن المأزومين والمزايدين انتخابياً، مثل «القوات» والرئيس فؤاد السنيورة، موضحة انها غير معنية بهذا الضخ الاعلامي.
وتضيف: انّ محاولة تصوير السعودية وسفيرها كمفتاح انتخابي لهذا الطرف او ذاك هي اساءة لهما ولدورهما في لبنان، «ونحن نعتبر ان الرياض تقف على مسافة واحدة من الجميع».
اما موقف مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الداعي الى المشاركة الكثيفة في الانتخابات، فإن مصادر «المستقبل» تؤكد احترامها وتفهمها له، لافتة الى ان دريان هو مفتي الجمهورية وليس تيار المستقبل حصراً، «وهناك تواصل وتنسيق معه».
وتنتهي المصادر إلى القول: ها هم كلهم يظهرون على حقيقتهم، ونحن مرتاحون جداً ونتفرج على هذه العصفورية التي توحي لنا بأننا نشاهد فيلماً كوميدياً.