دخلنا في زمن الانتخابات النيابية. ربما كان سمير جعجع على حقّ. وربما سارت التطوّرات في صالح نظريته. فالاستعصاء الدستوري، والطريق المسدود أمام تشكيل حكومة الإنقاذ، ضيّع 8 أشهر حتّى الآن، وخلال 90 يوماً، بعد انتهاء انتخابات إيران، سنكون قد دخلنا في الأشهر الأخيرة قبيل الانتخابات النيابية منتصف 2022.
وبالتالي ما من حسابات غير الانتخابات حالياً. كلّ الأنظار تتركّز على أمّ الاستحقاقات. منها تنطلق النقاشات وعليها تتقاطع المفاوضات المتعلّقة بتشكيل الحكومة من خلفيّات انتخابية، وإليها تخضع معايير المواقف الشعبية وتسجيل النقاط السياسية، على أساس التصلّب في هذه المواقف والعناد أمام تلك الطروحات، أو ادّعاء المظلومية السياسية والطائفية والمذهبية في ملفات من هنا أو من هناك.
لهذا نجد في يوميّات التعطيل الحكوميّ المستمرّ، أسباباً كثيرة تُساق لتبريره. منها الخلافات على الحصص والنزاع على الصلاحيات، لكنّ الأهمّ هو هذا التغييب الغريب والكامل للواقع السياسي الأعمّ في المنطقة.
وفي المنطقة معطىً أساسيّ، بات مُسلّماً به أن لا حكومة قبل الانتخابات الإيرانية. زِد على ذلك أنّ تأجيل مفاوضات فيينا إلى ما بعدها يعني أنّ طهران لن تفرج عن أيّ ملفّ في المنطقة، ولن تتخلّى عن أيّ ورقة حالياً. مَن يعرف العقل الإيراني يعرف أنّ سياسة “ترابط الساحات”، في الحرب والسلم، تعني “ترابط الملفّات”. والهدف هو إثبات أنّ وجودها ونفوذها في دول الشرق الأوسط تحصيل حاصل، ولا مجال للتساهل في أيّ بلد.
تتفرّع من هذا العنوان العريض عناوين وملفّات متعدّدة، تنسحب على لبنان. لذا نشهد تأجيلاً لاستحقاقاتنا كلّها، من تشكيل الحكومة، إلى ترسيم الحدود وغيرها. وهناك أدلّة كثيرة على هذا التوجّه:
1- يستمرّ حزب الله في التهرّب من اتّخاذ قرار حاسم وتحديد الوجهة التي يريدها، سواء إلى جانب رئيس مجلس النواب نبيه برّي أم إلى جانب رئيس الجمهورية ميشال عون.
2- لم يحسم الحزب موقفه من الرئيس المكلّف سعد الحريري، ولا يتدخّل بشكل مباشر وضاغط في سبيل تشكيل الحكومة.
3- يترك حزب الله القوى الأخرى، لا سيّما الحليفة منها، الإستثمار في الوقت الضائع، في ما يبدو أنّها سياسة تلائمه، لتزجية الوقت بانتظار انتهاء استحقاقات إيران الداخلية.
4- يتفرّج الحزب على الانتقال من مبادرة إلى أخرى، على الرغم من أنّ كلّ المبادرات تدور في حلقة مفرغة، وحول نقاط متشابهة.
5- والأهمّ هو أنّ أولوية حزب الله الأساسية هي استمرار الدعم المالي من قبل مصرف لبنان على كلّ السلع للأشهر الثلاث المقبلة. وهذا يعني تأجيل استحقاق الحكومة. لأنّ أيّ حكومة جديدة ستكون أولى مهمّاتها إقرار سياسة رفع الدعم والذهاب إلى صندوق النقد الدولي. وهذا لا يتلاءم حالياً مع أهداف الحزب، الذي أوفد وفوداً عديدة إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للضغط عليه في سبيل الاستمرار بسياسة الدعم. وهو توجّه واضح في حكومة حسان دياب، ويشير إلى أنّ الاستحقاقات مؤجّلة لفترة طويلة، مع عدم إغفال الحسابات الانتخابية.
وفي غياب أفق تشكيل الحكومة، إلى آب أو أيلول المقبلين، فإنّنا دخلنا فعلياً في مدار الانتخابات النيابية، وما سيرافق هذا المدار من أسئلة حول تعديل القانون الحالي، وتعديل دوائره أو الذهاب إلى صوتين تفضيليين، أو حتّى نسف القانون من أساسه.
وبالتالي فإنّ كلّ الحسابات باتت تؤدّي إلى طاحونة الانتخابات. فالحريري ليس قادراً على تقديم أيّ تنازل ولا على مواجهة استحقاقات اقتصادية ومالية قد تنعكس عليه سلباً في شارعه السنّي. ولا الآخرون قابلين لأخذ تلك المشاكل في صدورهم.
يسقط أمام هذه الحسابات شعار “حكومة مهمة” أو “حكومة إنقاذ”، لأنّه لا يمكن لحكومة تتشكّل على مشارف انتخابات نيابية وقبل أشهر قليلة من موعدها، أن تتّخذ قرارات إصلاح اقتصادي. وسيكون ممثلو القوى السياسية المشاركون فيها أقرب إلى متعهّدي خدمات في الوزارات والإدارات في خدمة المحازبين والمناصرين.
وإذا أضفنا المعارك السياسية بين رئيس الجمهورية وبين الرئيس المكلّف، والحسابات الانتخابية المنطلقة من شدّ العصب الطائفي بدل المصلحة الوطنية العامة، نكون أمام مفردات سياسية جديدة.
تركيز المجتمع الدولي على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها، سيرافقه عدم إعطاء أيّ أهمية لأيّ حكومة ستتشكل حالياً. وذلك بسبب قناعة الجميع بأنّها لن تكون قادرة على إحداث تغيير… ما قد يقود إلى فكرة وحيدة، وهي تشكيل “حكومة مهمة” انتخابية، تتألّف من مستقلّين وشخصيات غير مرشّحة للانتخابات النيابية، وتكون مهمّتها إدارة الانتخابات، وتتشكّل قبل ستة أو ثمانية أشهر من موعد الانتخابات. حينئذٍ يكون رئيس إيران قد انتُخب وتسلّم مهمّاته وظهر اتجاه التفاوض الإيراني الأميركي الإيراني – السعودي. وعلى اعتبار أنّه لا يمكن للعهد أن يستمرّ بلا حكومة إلى نهايته.
لكنّ المعضلة الأهمّ في ذلك هي ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أنّ هذه الحكومة، التي ستتشكل، لن تدير الانتخابات فقط، بل قد تدير أزمة سياسية أكبر، بسبب مفاعيل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية وعدم انتخاب رئيس جديد؟؟
معركة الرئاسة مفتوحة منذ أشهر ولا أحد يستطيع الإجابة عن وقائعها لأنّها مرتبطة أيضاً بالخارج الإيراني – العربي – الأميركي.
المصدر – أساس ميديا
نقلا عن موقع المركزية