المحامي أنطونيو فرحات في صحيفة “نداء الوطن”
انخرط “حزب الله” في الحرب مساندةً لغزة بحسابات تبين لاحقاً أنها غير دقيقة ولا تلامس واقع قوة إسرائيل الحقيقية.
على أثرها مُنِي لبنان بشكل عام و”الحزب” بشكل خاص بخسائر كبيرة لا تعوض، سيما بالنسبة للأخير وعلى رأسها اغتيال السيد حسن الذي سيحتاج “الحزب” إلى سنوات طوال وطوال كي تولد شخصية تشبهه.
فهل فعلاً “الحزب” انتصر بهذه الحرب؟!
قد يغالي البعض ويعلن انتصاراً ولو أن ذلك الادعاء مفصول عن الواقع. فكيف يمكن القول إن “الحزب” انتصر وهو قدّم على طريق القدس لبنان الدولة والسيد وقادته العسكريين وكادره التنظيمي وآلاف الشهداء والمصابين، هذا بالإضافة إلى محو قرى وبلدات حدودية عن بكرة أبيها وإلى تدمير ضاحية بيروت الجنوبية!!!
كيف يمكن القول إن “الحزب” انتصر وهو وافق على التوقيع على اتفاقية وقف إطلاق نار مع إسرائيل، دون تحقيق أي مكسب أو هدف من الأهداف التي أعلنها صراحةً وأمام الكافة!!
يتبدّى بالعودة إلى مضمون بنود الاتفاقية المشار إليها آنفاً، سيما بالبند الثالث منها، حيث نقرأ اعترافاً واضحاً وصريحاً من إسرائيل ولبنان بأهمية قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، أي الإقرار بالشرعية اللبنانية حصراً دون وجود لأي دويلة ضمنه أو تنظيم غير شرعي، كما يتضمن البند الخامس منها إقراراً من “حزب الله” أن القوات الأمنية والعسكرية الرسمية للبنان ستكون الجهة المسلحة الوحيدة المسموح لها حمل السلاح على كامل الأراضي اللبنانية. مما يتجلى أنه لا يوجد بعد الآن تشريع لمفهوم المقاومة كما كان قبل الحرب، وبالتالي إن مفهوم الدولة القادرة القوية هو المفهوم الجديد الذي سيحكم البلد، بخاصة أن البند الثامن من الاتفاقية المنوه عنها أعلاه أكد على أنه سيتم تفكيك جميع البنى التحتية والمواقع العسكرية وستتم مصادرة أي أسلحة غير قانونية لا تتماشى مع هذه الالتزامات.
يتجلى أن زمن التلاعب على العبارات والمفاهيم والقوانين والمواثيق الدولية قد ولّى إلى غير رجعة، وبأن الشعب اللبناني يتطلع إلى قيامة هذا الوطن بعد أن صُلب على خشبة الفساد والولاء لغير المصلحة اللبنانية، ويتأمل بناء الدولة القادرة، الفاعلة، الواحدة، دولة المؤسسات والقانون والمساواة بين جميع مكونات الوطن.
يُستفاد مما تقدم، أن القبول بتسوية وقف إطلاق النار التي تعتبر إضافة على القرار 1701 سيما أنها حددت آلية لتطبيقه ووضعت لجنة دولية لمراقبة حسن تنفيذه، مردّه إلى أمر من إثنين،
إما أن “حزب الله” أخذ خياره بالعودة إلى الدولة اللبنانية ومؤسساتها بعد أن سعى إلى مخرج مشرّف، وهذا أمر ممتاز ومطلوب ومنتظر بغض النظر عن الشكل،
وإما أن “حزب الله” قد قبل على مضض بغية إعادة تنظيم صفوفه وإعادة شبكة التواصل بين الميدان والقيادة، بعد أن كان هذا الأمر صعب التحقيق تحت النار وهول المصيبة التي ألمّت به.
تبقى الأيام الستون المقبلة تحت مجهر الاختبار وحدها الكفيلة لمعرفة النية الحقيقية وراء السبب والدافع الحقيقي لرفع الراية البيضاء وعدم الإعلان عن الملحق السري لهذه الاتفاقية.