كتب الصحافي جورج كريم في “الروابط” :
في عز الحرب اللبنانية ١٩٧٥ كان زعيم الجبهة اللبنانية الرئيس كميل شمعون يوحي في تصاريحه بالتفاؤل والخروج من الحرب . ولما سُئل مرة بأنك تتفاءل في تصاريحك والحرب يشتد اوارها قتلا وتدميرا ، أجاب سائله :” اذا كان مع كل هذا التفاؤل يحصل كل هذا الدمار ، فماذا كان يكون الحال لو كانت تصاريحي فيها التشاؤم ولغة التهديد والثار والنار ؟
ويبدو اليوم ، أن الأمر يتكرر مع الرئيس نبيه بري بنشره التفاؤل عبر تصاريحه والحرب يشتد اوارها قتلا وتدميرا وتهجيرا ؟
لا يُخفى على المتابعين لتصاريح نتنياهو بأنه يتبع روزنامة حربية لا يزيح عنها ، وعندما تعترضه “دشم” من هنا وهناك ، يسعى الى إزالتها بالقرار كما حصل مع وزير الدفاع السابق غالانت أو بالقصف والدمار كما حصل في غزة وفي بلدات الجنوب وبيروت وبعلبك وكل لبنان .
نتنياهو يملك سر خريطة الحرب . تتسع أحيانا وفق احلام”بنو إسرائيل” وتضيق أحيانا وفق مصالح الدول النافذة ، ولكنها ، تبقى ثابتة على الخريطة اليهودية الصهيونية الإسرائيلية تمدداً وتوسعاً عبر العقود المتتالية . وهكذا هو الأمر منذ نشوء دولة إسرائيل عام ١٩٤٨ وهي تتمدد وتتوسع وتتملّك استيطانا وإقامة لشعبها المختار والموعود بأرض ابراهيم ، أرض كنعان ، اي بأرض فلسطين .
لا قيام للدولتين بالمفهوم الإسرائيلي. ولا يمكن لأي يهودي أن يقبل بذلك ، ورفض نتنياهو يزيده شعبية في الداخل والخارج ، وعلى الشعب العربي الفلسطيني أن يُيَمِّم بوجهه شطر مصر أو سيناء أو يتيه في دول العالم .
وهوكشتاين ؟ ماذا عن هوكشتاين اليهودي الأصل غير العمل من خلال بنك الأهداف الإسرائيلية بالطرق الديبلوماسية ووفقا لتوجيهات رؤسائه من ذات العِرق والجنس واللون .
هي فعلا حرب وجودية بالنسبة لإسرائيل ويكون الأمر كذلك بالنسبة لعرب فلسطين ، ذاك أن اليهود يتمسكون بالوعد الإلهي لهذه الأرض،
” لأن لهم حقًّا دينيًّا على ما جاء في كتبهم المقدسة لديهم أن الله وعدهم بامتلاك (أرض كنعان) فلسطين وما جاورها (من النيل إلى الفرات) وهي أرض الميعاد؛ لتكون لهم مُلكاً ووطناً، ويستدلون على ذلك بما ورد في التوراة أن ذلك الوعد كان مع أبيهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام حينما قال له الرب: (لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات).
ويدعي عرب فلسطين بأنهم سكنوا أرض فلسطين قبل وبعد مجيء اليهود الذين سكنوها لعقود قليلة بينما العرب سكنوها قبلهم وبعدهم لعقود مديدة، وأنهم من نسل اسماعيل بن ابراهيم البكر قبل مولد اسحق لنسل اليهود .
تلك احجية في الوجدان اليهودي الفلسطيني والعربي الفلسطيني من ورثة أرض كنعان ، وهذه الجذور التاريخية العميقة تُبقي جذوة الصراع مشتعلة حتى تأكل النار إحداها.
ولا يبدو أن اتفاقا هشاً حاصل اليوم بين يهود فلسطين وعرب فلسطين ؟ اذ ، ليس من مصلحة نتنياهو المُلاحق جزائيا عالميا بإيقاف الحرب دون تحقيق مكاسب جغرافية واضحة أقله في غزة ومكاسب سياسية وجغرافية في لبنان .
إن القبضة الحديدية على القرار الإسرائيلي من قبل نتنياهو بات مؤكدا وهذا ما يسمح له بالمراوغة في وعوده والتضليل في مواقفه حتى يحقق ما بات “يشتهيه” من احتلال اراضٍ لبنانية أقله حتى الليطاني أو الحصول على اتفاقية اذعان مبرمة من طرف لبنان . ولهذا سيبقى منشور التفاؤل الحذر بتصاريح المسؤولين اللبنانيين معلًبا بمتفجرات الصواريخ المدمرة للمجموعات السكنية الضخمة والمفجّرة للمستودعات العميقة.
اذا كان لا بد من التفاؤل الحذر ، فلا بد أيضا من أخذ الحيطة لكل توعّد وغدر ؟!