المركزية- “العتب على قدر المحبة” يقول المثل اللبناني الذي أراد بعض رجال الأعمال اللبنانيين إطلاقه في هذه المرحلة البالغة الدقة التي تمرّ بها البلاد على الصعيد الأمني حيث المصير مجهولاً وأفق المستقبل ضبابية: تسوية، لا تسوية… مفاوضات لوقف إطلاق النار، لا مفاوضات إلا تحت النار… التزام القرار 1701، ترك حرية التحرّك لطرفَي النزاع إذا ما أخلّ أحدهما بالاتفاق،إلخ.
…الإحصاءات على أوجّها ولو تحت خانة “الأرقام الأوّليّة”: خسائر اقتصادية بمليارات الدولارات، قطاعات تنهار وأخرى بالكاد ممسكة بعصا الإنقاذ وبعضها لجأ إلى “طوارئ” الإجراءات التي تتبوّأ قائمتها “حسم رواتب الموظفين”…
كيف يمكن غضّ الطرف عن وقائع نازفة ولو غابت المسوحات الرسمية، في حمأة دمارٍ مُبكٍ، وهَول نيران لا تطفأ، وغارات مستفحِلة بلغت العمق اللبناني في مشهديّة أوسع وعلى نطاق أكبر… حتى بات السؤال “هل هناك من أعظم؟!
وعلى رغم إقرارها بكل هذه الوحشية، لم ولا ترقى لشريحة من رجال الأعمال اللبنانيين “البيانات والتقارير الإعلامية” التي تسلّط الضوء على الخسائر وتفنّدها بكل قطاع على حدة وتذيّلها بالأرقام المُحبِطة”… فأبت هذه الشريحة وضع الإصبع على جرج الاقتصاد، وإغفال الدماء التي لا تزال تجري في عروق بعض القطاعات لتفعِّل نبض الاقتصاد وتَقيه خطر الغيبوبة.
تنطلق هذه الشريحة من مبدأ “الشكوى لغير الله مذلّة”… فالشماتة من شِيَم العدو، وفق هؤلاء، “هل نُفرِحهم بما أصابونا به؟ في حين أنهم لا يَبيحون بعدد قتلاهم ولا جَرحاهم ولا حتى يكشفون عن الخسائر المادية التي لحِقَت بمواقعهم المستهدَفة…”.
ويتساءلون “إلامَ يؤدّي نقل المشهدية السوداوية عن لبنان إلى العالم، سوى إلى مزيد من “النقزة” تجاه لبنان وشطبه من “الأجندة” الاقتصادية الدولية لسنوات طويلة، و”تجفيل” مَن لا يزال يتعاون مع لبنان حتى اللحظة…؟!”
إلى ذلك، لا يتردّدون في الإشارة إلى “قطاعات عدة نشطت في المناطق “الآمنة” وعزّزت أرقام إنتاجها في مجالات الصناعة الغذائية والمفروشات وغيرها، كما أن المطاعم البعيدة عن أصوات القذائف والنائية عن روائح الفوسفور والمطمئِنة إلى سلامة المناطق حيث هي، ما برحت تستقبل الروّاد بأعداد لا تؤشّر إلى “حالة الحرب”…”.
الصورة لا تشأ بها شريحة رجال الأعمال هذه، أن تتغاضى عن مآسي الناس والدّوس على معاناتهم، إنما جلَّ ما تريده البَوح عما “ينغّص قلبها” وهو “التركيز على الصورة القاتمة التي ستقضي على معنويات مَن نجحوا حتى الآن في الصمود وجبه تحديات الحرب بالاستمرارية وديمومة الإنتاج… والتمسّك بالأمل الذي لن يخيب بإذن الله” على حدّ تعبيرها.
قناعة أثارتها هذه الشريحة من رجال الأعمال لتستر جراحاً كشفتها شريحة أخرى اختارت إظهار مصائب لبنان للمجتمع الدولي قناعةً أخرى، علّه يتحرّك مسرِّعاً السلام… وما بين القناعتَين يبقى لبنان “مكشوفاً بواقعه” أمام أعيُن الدول إن أردنا تخبئته أو فضحه، و”مكشوفاً بمستقبله” على تطوّرات لا يعلم بها أحد حتى مَن يضرب بالغيب… سوى الله وحده.
ميريام بلعة – “المركزية”