- Advertisement -

لبنان بين سقطة الميثاقية ومصير السلاح: استحقاقات تضع الجميع أمام المسؤولية

Betico Steel

في خضم الأزمات السياسية والاقتصادية التي يعيشها لبنان، تتصاعد الخلافات الداخلية بين القوى السياسية، حيث باتت الحسابات الحزبية تطغى على الرؤى الوطنية الشاملة. وتبرز الأحزاب المسيحية، خصوصا حزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب اللبنانية، كطرف يسعى إلى استثمار أي ضعف في مكانة حزب الله لتحقيق مكاسب سياسية. هذه الأطراف ترى أن تقليص نفوذ الحزب، عسكريا وسياسيا، يصب في صالحها، ويتيح إعادة تشكيل التوازنات الداخلية بما يعزز نفوذها ضمن المشهد السياسي اللبناني.

لكن هذه الرؤية لا تخلو من التعقيدات، إذ إنها تتجاهل أن ضعف حزب الله قد يؤدي إلى خلل في التوازن الوطني، مما يفتح الباب أمام اضطرابات سياسية وأمنية. هذه المخاطر تتفاقم عندما يطرح البعض، كما جاء في تصريحات رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، إمكانية إنجاز الاستحقاقات الدستورية من دون المكون الشيعي. مثل هذا الطرح، رغم أنه يعكس ضيق الأفق السياسي لدى بعض الأطراف، يُعتبر سقطة ميثاقية كبرى، تهدد المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه النظام اللبناني القائم على الشراكة بين الطوائف والمكونات المختلفة. إن تجاوز هذا المبدأ، مهما كانت الدوافع، قد يؤدي إلى عزلة سياسية ويعمق الانقسامات الطائفية.

السلاح والسيادة الوطنية

Ralph Zgheib – Insurance Ad

في موازاة هذه الصراعات السياسية، يظل موضوع سلاح حزب الله القضية الأبرز على الساحة اللبنانية. ويرى كثيرون أن حل هذه المسألة لا يمكن أن يتحقق إلا في إطار رؤية وطنية شاملة، تربط مصير السلاح بانتفاء الحاجة إليه. بمعنى آخر، فإن انتهاء احتلال إسرائيل للأراضي اللبنانية وعودة كامل الأراضي المحتلة إلى السيادة اللبنانية هو الشرط الأساسي لإعادة النظر في دور السلاح.

هنا، تبرز أهمية إعادة التأكيد على ثابتة وطنية أساسية: الحدود اللبنانية المعترف بها دوليا، والتي تم ترسيمها بموجب اتفاقية الهدنة لعام 1949، يجب أن تكون الإطار القانوني والسياسي لأي تسوية مستقبلية. إلزام إسرائيل بالاعتراف بهذه الحدود هو المدخل لضمان السيادة اللبنانية وحماية الأمن القومي، وهو ما يتطلب جهدا دبلوماسيا داخليا وخارجيا موحدا.

دروس الحرب الأخيرة

تجربة الحرب الأخيرة على غزة وما رافقها من توترات على الحدود الجنوبية للبنان أثبتت سقوط فرضية الحلول الأحادية أو الإقصائية في إدارة القضايا الوطنية الكبرى. لقد ظهر بوضوح أن استفراد أي طرف، داخليا أو خارجيا، بالقرارات المصيرية يضعف قدرة الدولة على حماية سيادتها ويهدد استقرارها.

أي تسوية مستقبلية يجب أن تنطلق من رؤية وطنية تتجاوز المصالح الحزبية الضيقة والارتهانات الخارجية. هذه التسوية يجب أن تراعي:

1. الحفاظ على وحدة الموقف الداخلي.

2. تعزيز دور الدولة اللبنانية كضامن للأمن والاستقرار.

3. التأكيد على ضرورة الحفاظ على التوازنات الطائفية والسياسية.

4. العمل على إعادة بناء الثقة بين الأطراف المختلفة عبر حوار جدي وشامل.

إن المرحلة المقبلة تتطلب من جميع الأطراف تجاوز منطق المكاسب الآنية، والبحث عن حلول جذرية تضمن حماية لبنان وسيادته واستقراره. الرهانات على إضعاف طرف لبناني داخلي لتحقيق مكاسب سياسية لحزب أو طائفة قد تؤدي إلى تعميق الأزمات وإطالة أمدها. يبقى السؤال: هل تستطيع القوى السياسية اللبنانية التحلي بالجرأة الكافية لمراجعة سياساتها وتغليب المصلحة الوطنية على الحسابات الخارجية والحزبية الضيقة؟

داود رمّال – وكالة “أخبار اليوم”

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد