واصلت إسرائيل استهداف كافة المناطق اللبنانية، تحت شعار: «لا مكان آمنا لبيئة حزب الله»، إنما انعكس الواقع عدم أمان للبنانيين المُصرين على استئناف حياتهم الطبيعية، سواء بفتح المدارس في عدد من المناطق في محافظتي جبل لبنان والشمال، أو بتوجه الناس إلى أعمالهم اليومية كالمعتاد، خصوصا الموظفين إلى العاصمة بيروت من مدخلها الشمالي خصوصا.
وبدأ أن الجيش الإسرائيلي يركز في عملياته على تحويل الجنوب أرضا محروقة. فبعد تدمير شبه كامل لبلدات وقرى المواجهة وفرض حصار بحري اعتبارا من صيدا وصولا إلى الناقورة، انتقل إلى مرحلة القضاء على مقومات الحياة في المدن الكبرى، باستهداف لسوق مدينة النبطية، مركز الثقل في الجنوب. فيما نالت بلدة عيتا الشعب الحدودية نصيبا كبيرا من الغارات في الساعات الأولى من فجر أمس الأحد.
وكثفت إسرائيل غاراتها الجوية على لبنان ووسعت نطاقها، مستهدفة مناطق داخل وخارج المعاقل التقليدية لحزب الله، بينما خاضت قواتها معارك مع مقاتلين من الحزب عبر الحدود أمس.
وأفاد حزب الله بأنه تصدى لمحاولات تسلل قامت بها قوات إسرائيلية في جنوب لبنان في وقت مبكر أمس، بينما أعلن الجيش الإسرائيلي أسر مقاتل في الحزب في نفق جنوبا، في أول إعلان من نوعه.
وقال الجيش «خلال مداهمات محدودة ومحددة الهدف استندت إلى معلومات استخباراتية دقيقة، عثر الجنود على نفق تحت الأرض»، مشيرا إلى أنهم «طوقوا المبنى ومسحوا مدخل النفق وعثروا على مجمع تحت الأرض حيث كان مقاتل من حزب الله يتحصن إلى جانب أسلحة ومعدات».
من جانبه، قال حزب الله إن مقاتليه فجروا عبوة ناسفة بقوة من جنود إسرائيليين و«اشتبكوا معها لدى محاولتها التسلل» من موقعين إلى بلدة رامية. كما أفاد بأنه استهدف تجمعا لجنود إسرائيليين في بلدة مارون الراس التي تبعد بضع كيلومترات شرقا من رامية.
وفي وقت لاحق، أعلنت وسائل اعلام اسرائيلية عن إصابة عشرات الجنود بينهم حالات خطرة، نتيجة استهداف طائرة مسيرة أطلقت من لبنان قاعدة عسكرية.
من جهته، أعلن الصليب الأحمر اللبناني عن إصابة مسعفين تابعين له في غارة إسرائيلية على منزل في جنوب لبنان، كان قد أرسلهم «بعد إجراء الاتصالات اللازمة» مع قوات اليونيفيل.
هذا، ودعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى إبعاد قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان عن «الخطر فورا».
وقال في مقطع مصور متوجها إلى غوتيريش «ابعدوا قوات اليونيفيل عن الخطر. يجب القيام بذلك الآن وفورا».
وقال مصدر حكومي سابق لـ «الأنباء»: «وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله لن يبصر النور أقله خلال الأسابيع المقبلة، لسببين رئيسيين، يكمن الاول باستعادة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ثقة الداخل الاسرائيلي به نتيجة الضربات الموجعة التي سددها إلى هرمية القيادة في حزب الله، فيما يكمن الثاني باحتضان الأميركي للتصعيد الإسرائيلي كعامل مؤثر في نتائج الانتخابات الرئاسية».
وأكد المصدر انه «ليس هناك حتى الساعة من معطيات عسكرية أو ديبلوماسية تشير إلى اقتراب موعد انتهاء الحرب. لكن جل ما يمكن استنتاجه حتى الساعة هو ان إسرائيل «نص ربحانة» انما غير قادرة على تسجيل انتصار كامل لفرض شروطها وإعادة مستوطني الشمال إلى بيوتهم. وحزب الله «نص خسران» لكنه لا يزال صلبا ومتماسكا في ميدان القتال والتصدي، ما يعني أن المعركة بين الطرفين في انتظار، اما إلى حين الانتهاء من الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، وإما إلى حين نجاح الضغوطات الدولية في صياغة اتفاق على قاعدة لا غالب ولا مغلوب.
في حين قال مستشار رئاسي لبناني كبير لـ «الأنباء»: إن «قرار وقف إطلاق النار في يد نتنياهو، الذي يتريث في اتخاذ الخطوة في انتظار معرفة الفائز في الانتخابات الرئاسية الأميركية، ذلك انه يريد ثمنا لوقف إطلاق النار، ويعمل على تحصيله من الرئيس المنتخب وليس من رئيس سيغادر منصبه».
وتابع المستشار الرئاسي: «اعتقد أن نتنياهو لن يقبل حاليا بوقف لإطلاق النار يأتي في هذا الوقت لمصلحة حزب الله. والعبرة في قدرة الأخير على الصمود، ذلك ان عدم تحقيق الجيش الإسرائيلي أي تقدم على الأرض يزعج نتنياهو كثيرا ويسبب إحراجا له في الداخل الإسرائيلي، وهو الذي لم يتخلص بعد من تداعيات حربه في غزة».
وأضاف: «في المقابل، يبدو الجانب اللبناني غير مستعجل، اذا نظرنا إلى حركة رئيس مجلس النواب نبيه بري وأركان حزب الله، الذين يربطون نتائج المفاوضات بالميدان البري. وفي أي حال اعتقد ان الحزب لن يقبل بتسوية وهو مكسور معنويا – وليس عسكريا – بعد اغتيال أمينه العام السيد حسن نصرالله ومعظم أركان قيادته وكبار مسؤولي الجبهات. ومن الواضح أيضا ان الحزب يطلب تأخير البت بالاستحقاق الرئاسي، اذ يشعر ان الفريق الآخر وبمواكبة خارجية يريد فرض رئيس عليه، وهو في غير الوارد القبول بهزيمتين معنوية وسياسية في وقت واحد، انه لا يزال يمسك بالورقة السياسية اللبنانية».
البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، قال في عظة الأحد من الصرح البطريركي في بكركي: «قبل سنة اشتعلت شرارة الكراهية، ولم تنطفئ بل تفجرت في دوامة من العنف، وسط العجز المخزي في الأسرة الدولية والدول الكبرى عن إسكات الأسلحة ووضع حد لمأساة الحرب، لن أتعب من التكرار والقول إن الحرب هزيمة، وإن الأسلحة لا تبني المستقبل بل تدمره، وإن العنف لن يجلب أبدا السلام».
توازيا، استمرت الحركة في مناطق تعتبر نائية، على وقع أصوات القصف الإسرائيلي التي ترددت فيها. وغصت مقاهي برمانا وساحل المتن الشمالي وكسروان وجبيل والبترون بالرواد، وإن كانت غالبيتهم من أبناء تلك المناطق نفسها، اذ تفادى الكثير منهم التنقل لمسافات بعيدة. وينطلق الأسبوع الجديد في لبنان، بفتح غالبية المدارس الخاصة أبوابها حضوريا أمام التلامذة، في العاصمة بيروت وجبل لبنان والشمال، على ان تلجأ الجامعات الخاصة إلى التدريس حضوريا في شكل كامل اعتبارا من الأسبوع المقبل، ترقبا لانفراج في الوضع الأمني.
بيروت – أحمد عز الدين وزينة طبارة
الأنباء الكويتية