ينهي لبنان الاسبوع على أحداث وخطابات قد ترسم سيناريو المرحلة المقبلة. إذ يختتم شهر آب السبت بكلمة رئيس مجلس النواب نبيه برّي في ذكرى إختفاء الإمام موسى الصدر، بينما يفتتح أيلول الأحد مع كلمة رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في قداس ذكرى شهداء “المقاومة اللبنانية”.
بين السبت والأحد سترسم خريطة مواجهة المرحلة المقبلة. ومن كان يغمز من قناة وجود إتفاق ضمني بين “القوات” وبري سيكتشف عكس ذلك تماماً. كل قوة سياسية من موقعها ستحاول تثبيت خطوط المواجهة لا الإلتقاء.
أمل في أضعف مراحلها
يعرف برّي أن حركة “أمل” باتت في أضعف مرحلة من مسيرتها السياسية. رصيدها هو شخصيته ومن وظفهم في أسلاك الدولة. وما يقوم به عناصر “الحركة” في الجنوب من أعمال حربية ليس سوى ديكور لعمليات “حزب الله”. “الحركة” التي افتتحت عمليات المقاومة جنوباً وباتت اليوم شبه تابعة لـ”حزب الله”. ويبقى برّي حاجة لـ”الحزب” من باب براعته في المفاوضات وقدرته على الحديث مع الجميع وأولهم الولايات المتحدة.
وتعيش “القوات” وضعية مغايرة تماماً لحركة “أمل”. فهي خارج جنة الحكم منذ ثورة 17 تشرين. ولم تستطع زرع مناصريها داخل اروقة الدولة مثلما فعل برّي وقلده “التيار الوطني الحرّ”. “الحركة” متهمة بالفساد، بينما وزراء “القوات” خارج هذه التهمة ولم تستطع قوى الثورة نبش ملف فساد يطال “القوات” ونوابها ووزراءها.
ياكل “حزب الله” الجوّ الشيعي وبات المسيطر الأول على البيئة الشيعية، ويسمح لـ”أمل” بالتحرّك حيث تدعو حاجته. بينما تمرّ “القوات” بوضع شعبي يتنامى. “التيار الوطني الحرّ” يتفكّك نيابياً وشعبياً. الشارع المسيحي بات قواتيّ الهوا. تنسج “القوات” علاقات مع الغرب والعرب. وبات سمير جعجع زعيم المعارضة السيادية بلا منازع.
إذاً، سيستمع لبنان إلى الخطابين نهاية الأسبوع، الأول لبرّي سيكون كلاسيكياً، والآخر لجعجع سيحمل بعض الشعارات الثورية.
سيركّز برّي في خطابه على أهمية كشف مصير الصدر، وسيذكّر بالمبادئ التي كان يردّدها. والأهم سيؤكّد على عودة حركة “أمل” إلى العمل المقاوم في محاولة لإستنهاض ما تبقى من حركيين ولإثبات عدم ذوبان “الحركة” في جسم “الحزب”. وستحتل اوضاع الجنوب الجزء الأكبر من خطابه وسط التشديد على المقاومة وتأكيد الصمود. ولن تغيب الملفات الداخلية عن الخطاب حيث سيدعو مجدداً إلى الوحدة الوطنية والحوار وإنتخاب رئيس جديد للجمهورية.
أما جعجع فسيظهر من معراب كقائد للمقاومة الشعبية ضدّ منطق “الدويلة”، وسيخرج بكلام قاسي ومرتفع السقف تجاه خطف قرار السلم والحرب وفتح “حزب الله” جبهة الجنوب بلا استئذان الحكومة والشعب وضرورة تطبيق القرار ١٧٠١. وإذا كان جعجع سيذكّر بأهمية يوم الشهيد خصوصاً بعد خطف واغتيال منسق “القوات” في جبيل باسكال سليمان وقبله القيادي الياس الحصروني، فانه سيصوّب السهام على غياب الدولة عن كشف الحقيقة وعدم تسليم سوريا المتهمين وسط إتهام قوى الأمر الواقع بإيصال الوضع الامني إلى ما وصلت إليه. وانطلاقا من كل هذه سيطلق جعجع مبادرة تطال الوضع العام وتكون خريطة طريق للخروج من الأزمة.
من شهداء “القوات” والمقاومة اللبنانية إلى حرب الجنوب، ومسألة النزوح ورئاسة الجمهورية والوضع الداخلي برمته وحرب غزة، سيتطرّق جعجع في كلمته. لكن في ذهنه أمر واحد وهو تثبيت معارضة وطنية عابرة للأحزاب والمناطق والطوائف، عامودها الفقري حزب “القوات اللبنانية” تطلق مقاومة شعبية في وجه خطف قرار الدولة، والهدف هو منع “حزب الله” من وضع يده على لبنان وأخذه إلى المكان الذي يريده.
سيتحدّث جعجع بصفته قائد المعارضة وراسم خطواتها المستقبلية، بينما سيظهر برّي كوكيل عن “حزب الله” لا يملك هوامش كثيرة في الحركة والتعبير. وبين خطاب برّي السبت وكلمة جعجع الاحد يتأكّد أن البلد يسير في إتجاهين معاكسين ولا قدرة لأحد على جمع الاضداد أو الوصول إلى تسوية بلا ضغط خارجي كبير.
ألان سركيس – نقلاً عن موقع “الخبر”