مع ان كل الأنظار اتجهت امس الى جلاء مصير الرئيس الإيراني ورفاقه بما طغى على التطورات الإقليمية والمحلية، بدا المشهد اللبناني مقبلا على “خليط” من الأولويات المتزاحمة بدءاً بالمواجهات الميدانية في الجنوب حيث تعلو التهديدات الإسرائيلية بحرب واسعة، مرورا بترقب مسار التحركات المقبلة لسفراء المجموعة الخماسية في شأن الأزمة الرئاسية بلوغاً الى اشتعال عاصفة بين المفوضية الأممية للاجئين وجهات رسمية وسياسية لبنانية.
ولكن “النهار” سألت رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن اجواء القمة العربية التي انعقدت في البحرين بعد عودته من مشاركته فيها فقال: “تشكل القمم العربية مناسبة للتلاقي بين القيادات العربية ومحاولة جمع الصفوف حيال القضايا المطروحة، والخروج بقرارات موحّدة يمكنها ان تشكل قاعدة للانطلاق منها نحو توحيد الموقف والتحرك. صحيح أن الشعوب العربية كانت تأمل ان يكون الموقف العربي أكثر قوة حيال القضية المركزية وهي فلسطين، لكن في ظل الاجواء العربية الحالية فان ما تم التوصل اليه جيد وينبغي متابعته لوقف العدوان الاسرائيلي على غزة والعمل على التوصل الى حل يعطي الفلسطينيين حقوقهم”.
وعن حضور لبنان في القمة قال: “لقد طرحت في كلمتي والاجتماعات التي عقدتها التحديات الثلاثة التي نعيشها وفي مقدمها العدوان الاسرائيلي المستمر على لبنان وضرورة الضغط لوقفه، والملف الشائك المرتبط بوجود النازحين السوريين في لبنان والشغور المستمر في سدة الرئاسة. لقد وجدت تفهما لما طرحته من جميع الرؤساء والشخصيات الذين التقيتهم. وفي ملف النازحين تعهد الامين العام للامم المتحدة بالتواصل مع مفوضية الامم المتحدة للاجئين من اجل التعاون الكلي مع لبنان في هذا الملف، اضافة الى التزامه العمل على تأمين استمرار الاونروا في تقديم خدماتها للاجئين للفلسطينيين المقيمين في لبنان”.
عاصفة المفوضية
اما التطور السلبي النافر فبرز في الساعات الأخيرة باذكاء عاصفة غضب رسمي وسياسي حيال المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان التي وجّهت في خطوة لافتة كتابا إلى وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي اتسم بنبرة حادة استعلائية اعتبرت خارجة عن المألوف والأصول في التعامل الديبلوماسي وخصوصا في مخاطبة مسؤول رسمي لبناني. وطلبت المفوضية في كتابها من وزير الداخلية وقف ما وصفته بـ”الممارسات اللاإنسانية” بحق النازحين السوريين واعترضت بشدة على التدابير التي اتخذتها الوزارة لجهة حجز الدراجات التي يقودها نازحون سوريون من دون أوراق ثبوتية. كما اعترضت على الدور الذي تقوم به البلديات تنفيذا لمقررات وزارة الداخلية لجهة التثبت من أوراق المقيمين في المنازل ضمن نطاق كل بلدية وإقفال المحال التي يديرها نازحون سوريون بطريقة غير شرعية.
واثار كتاب المفوضية بعد الكشف عنه إعلاميا ضجة واسعة في الأوساط اللبنانية خصوصا أنه يعترض على الإجراءات القانونية التي تقوم بها البلديات إنفاذا لمقررات وزارة الداخلية وكشف عن أسباب البعد غير المسبوق الذي تمثل هذا الأسبوع بتحرك نيابي مباشر استهدف وقف ممارسات المفوضية التي بدأت تتخطى دورها بتمويل بقاء السوريين في لبنان. وإذ جاءت خطوة ارسال الكتاب عشية انعقاد مؤتمر بروكسيل برزت دعوة وجهتها “القوات اللبنانية” الى محازبيها وانصارها والمواطنين لتحرك في بروكسيل يوم انعقاد المؤتمر احتجاجا على السياسات الأوروبية المتبعة في ملف النازحين . كما ان رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع انتقد بشدة الكتاب الذي وجهته المفوضية الى وزير الداخلية واعتبر انه “من المؤسف جداً الدرك الذي أوصلت الشرعية اللبنانية نفسها إليه، إلى حد مكّن رئيس مكتب المفوضية السامية للاجئين في لبنان، ومن دون أن يرف له جفن، من ان يوجِّه كتابا إلى وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي يطلب فيه “وقف الممارسات اللاإنسانية” كما سماها، وان تتراجع الإدارات الرسمية اللبنانية عن التدابير التي اتخذتها بحق اللاجئين السوريين غير الشرعيين، وكأنه أصبح صاحب البيت وأصبحنا ضيوفا عنده”. وأضاف”لن نقبل بما قام ويقوم به رئيس مكتب المفوضية السامية للاجئين، فالأرض أرضنا والبلاد بلادنا، والسيادة في هذه البلاد هي للشعب اللبناني والدولة اللبنانية، وليس في إمكانه التذرُّع بالاعتبارات الإنسانية، لأنه ليس من شعب في العالم تعاطف مع اللاجئين أكثر من الشعب اللبناني، ولا التذرُّع بالاعتبارات الدولية، لأن مذكرة التفاهم الموقعة بين الدولة اللبنانية والأمم المتحدة في العام 2003 واضحة ولا تحتمل التأويل”. وطالب جعجع وزير الداخلية، “وبصراحة ووضوح كلّيين، باتخاذ الإجراءات القانونية الممكنة كافة بحق رئيس مكتب المفوضية السامية للاجئين في لبنان بعدما تخطى حدوده قانونيا وفي المجالات كلها، إن بتوزيعه بطاقات لجوء على السوريين في لبنان خلافا لمذكرة العام 2003، أو بتعامله مع المهاجرين غير الشرعيين كما لو كانوا لاجئين وتوزيع المساعدات عليهم، أم بتجاهله مرور السنة التي تنص عليها مذكرة التفاهم، وتاليا ضرورة رحيلهم لا بقائهم”.
لبنان ومؤتمر بروكسيل
وعشية انعقاد المؤتمر الثامن لـ”دعم مستقبل سوريا والمنطقة” في بروكسيل في 28 من الجاري، اكدت مصادر متابعة أن الدولة اللبنانية تذهب الى بروكسيل لتشارك شكلا في القمة فيما يعرف القاصي والداني واعضاء الوفد ان ازمة النازحين السوريين يبدأ حلها من حيث بدأت عند حدود لبنان وعلى ايدي اللبنانيين وبقرارات لبنانية صرفة من مسؤولين لبنانيين لا ترمي لهم الدول الكبرى الغربية والاوروبية والعربية املاءاتها التي تخدم مصالحهم واستراتيجياتهم. واكدت المصادر أن وزير الخارجية يدرك أن “الوزن السياسي للوفد واوراق القوة كلاهما لا يبدلان في رأي من قرر سابقا وحمى النزوح السوري الى لبنان ولا يزال يمول بقاءه ويرمي منحة المليار يورو ويعد بمثيل له لابقاء المليوني نازح وضبطهم داخل أسوار لبنان بهدف ابعادهم عن اثنين: العودة الى سوريا بما قد يتسبب لهم وللنظام، وكذلك عن أمواج المتوسط التي حملت سابقا الكثير منهم وصلوا الى شواطىء أوروبا لاجئين او جثثا”. ولكن الوزير السابق نقولا نحاس دعا الى “عدم استباق الامور والتكهن بما قد يؤول اليه هذا الاجتماع خصوصا أن ملف النازحين السوريين قد يشهد جدلا كبيرا بين الاوروبيين”. ولفت الى أنه عندما زارت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين لبنان للاعلان عن مساعدات بقيمة مليار يورو، “قامت الدنيا ولم تقعد، وكانت النتيجة زوبعة في فنجان كون الآراء المعارضة لم تبن على معطيات واقعية، فيما أثبت مجلس النواب في توصياته أنها ليست “رشوة” كما اشيع، علما اننا نحصل على الاموال الاوروبية منذ العام 2018، وان كانت ارقامها ارتفعت بعدما تم تخصيص بعض منها للجيش وقوى الامن الداخلي”.
المصدر – النهار