قفز ملفّ النزوح السوري إلى واجهات الأحداث اللبنانية. ويوازي هذا الموضوع الحرب التي تدور في الجنوب. وينتظر الرأي العام كيفية تعامل الدولة مع هذا الملفّ، وهل تطبّق قراراتها وتعاميمها، أو أنّها ستبقى حبراً على ورق؟ وفي الموازاة تتحرّك الأرض بواسطة البلديات وضغط الأحزاب من أجل اتّخاذ الإجراءات الرادعة قبل فوات الأوان.
إفتتح رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع معركة إنهاء الاجتياح السوري غير الشرعي بعد جريمة اغتيال منسّق «القوات» في جبيل باسكال سليمان، وعلى الموجة نفسها تواجدت بقية المكوّنات المسيحية وبالطبع بكركي، وتحوّل هذا الموضوع إلى وطنيّ مع إدراك أغلبية القوى خطر النزوح.
وفي موازاة الخطّ الداخلي الذي تسلكه مسألة معالجة الفلتان السوري، وبعد قرار الدولة النزول الى الأرض واعتبار عدم وجود نازحين، بل سوريين غير شرعيين، أتت هبة المليار يورو الأوروبية لتشعل الأجواء وتفتح هجوماً غير مسبوق على أوروبا.
دأب المكوّن المسيحيّ في الحفاظ على علاقات مميّزة مع أوروبا رغم كثرة الملاحظات، ولم تشهد العلاقات المسيحية – الأوروبية مثل هذا التردّي الذي تعيشه اليوم. كان يحصل بعض التباعد مع دولة معيّنة، وعلى سبيل المثال كادت الجرة تنكسر بين الموارنة وفرنسا بعد تبنّي إدارة الرئيس إيمانويل ماكرون مرشح الثنائي الشيعي رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية رغماً عن إرادة المسيحيين، لكنّ هذا الكباش كان محصوراً بين المسيحيين ودولة واحدة.
يختلف الوضع اليوم عن السابق، ففي هذه الفترة، بدا الهجوم اللبنانيّ لاذعاً على أوروبا ولم يقتصر على المكوّن المسيحي فقط، فالجميع حكمتهم الريبة من موقف أوروبا الأخير، فالقارة العجوز لا تريد ذهاب النازحين إلى أوروبا، وتعمل على منع عودتهم إلى سوريا وتريد في المقابل إبقاءهم في لبنان، وبالتالي بات الجميع يسأل عن مصلحة أوروبا في توطين السوريين في لبنان!
عندما كانت أي بلدة تنتفض لوقف الاجتياح السوري، كان المسؤولون يُهدّدون بالمفوّضية السامية لشؤون اللاجئين وبالموقف الأوروبي والأهمّ بالموقف الأميركي الرافض عودة النازحين. وبعد محاولة لبنان مواجهة المفوّضية والتصدّي لمشروع الاتحاد الأوروبي، يُطرح سؤال عن موقف واشنطن من الإجراءات المتّخذة في حق السوريين المخالفين.
يؤكّد المطّلعون على موقف واشنطن أنّ التنافس الأميركي – الأوروبي على أرض لبنان غير متكافئ، فرغم الروابط الثقافية والاجتماعية والنمطية بين لبنان وأوروبا، إلا أنّ النفوذ الأكبر هو لواشنطن، ولا قدرة لأوروبا على تحريك حجر في لبنان بلا رضى أميركي. والدّليل هو عدم قدرة باريس أو أي عاصمة أوروبية أخرى على حلّ المسألة الرئاسية وحدها.
وبالنسبة إلى التدابير الأخيرة التي تتّخذها السلطات اللبنانية والموقف الأميركي منها، تُشدّد المصادر المطّلعة، على أنّ ما يهمّ واشنطن هو عدم تسليم معارضين سياسيين أو ناشطين للنظام السوري وهي لا تدخل في التفاصيل اللبنانية. أمّا بالنسبة إلى الكباش الدائر مع الاتحاد الأوروبي، فلا يمكن الحديث عن وجود «قبة باط» أميركية لإغراق أوروبا بالنازحين، بل الحقيقة تتمثّل بوجود لامبالاة أميركية تجاه ما يحصل في لبنان، أو بالأحرى «إفعلوا ما تشاؤون»، تريدون ترحيل غير الشرعيين، أو إبقاءهم أو فتح الباب لانتقالهم إلى بلدان أخرى، فهذه تدابير تعني الدولة اللبنانية». يظهر بوضوح ما يهمّ واشنطن من لبنان وهو الوضع في الجنوب وعدم تمدّد الحرب وتطبيق القرارات الدولية وعلى رأسها الـ1701، وهذا ما تبحث فيه الإدارة الأميركية في الوقت الحالي، أمّا ملف النزوح فلا تعيره اهتماماً ويأتي في أسفل اهتماماتها، وبالتالي يستطيع ما تبقّى من دولة لبنانية سرقة اللحظة وإجبار أوروبا على الانصياع للمطالب اللبنانية وعدم المتاجرة بالوجود اللبناني وفرض الشروط وإطلاق عملية العودة، لأنّ لبنان لا يستطيع انتظار اتفاق دولي لضبط حالة الفلتان السوري على أراضيه.
ألان سركيس – “نداء الوطن”