من بعيد يُرصد حراك سياسي انتخابي هادئ يجري خلف الكواليس. علاقة مستجدّة بين رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل ونائب رئيس الحكومة السابق الياس المر يعمل على تعزيزها وسطاء مقربون من الطرفين. أتى ذلك في وقت ابتعد فيه نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب عن «التيار» ورئيسه عقب توقيع قرار فصله وسط ترجيحات عن بحث انتخابي له مع آخرين في «التيار» ممن قد يشملهم قرار الفصل في المراحل المقبلة. يمكن للمراقبين تلمس تموضعات سياسية انتخابية جديدة يؤكدها «التيار الوطني الحر» في معرض قراءة مفصلة لحراك رئيسه.
منذ انتخابات عام 2022 حتى اليوم كانت «صدمة» تشكيل كتلة نيابية، ثم كانت «الصدمة الثانية لكل من كان يعتبره معزولاً فلعب الدور الأكبر في الترسيم ليكسر عزلته مع الأميركيين». في الداخل «استطاع عزل سليمان فرنجية والابتعاد عن «حزب الله» من دون انفصال، واسترد العلاقة مع القلب الكاثوليكي لزحلة من خلال آل سكاف، ورتّب أموره مع وليد جنبلاط من دون تنازل، وفتح صفحة جديدة في العلاقة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري من دون أي تراجع في الموقف من الإصلاح، فدخل على جزين التي خسرها تياره عام 2005 وأسس لتحالف مع ابراهيم عازار، ثم دخل الى المتن حيث بدأت مجموعة من النواب التفكير في انشاء تحالف خارج التكتل الذي كانوا ينضوون تحت لوائه».
تمضي مصادره قائلة: «على المستوى المتني حقق باسيل خطوتين: تقول الأولى إنّ الخروج عن قرار «التيار» يعني الخروج منه. فيما تؤكد الثانية أنّ الخطوات التي اتخذت ستجعل كثيرين يراجعون حساباتهم في مناطقهم حيث جاءت الرسالة واضحة».
وفي المتن أيضاً استعاد مع الياس المر «علاقة توازن لم تذهب الى تحالفات انتخابية، لكنها ألغت الخصومة السياسية وجعلت التنسيق يخرق طريقه بينهما، خاصة بعدما خاض المر بالنيابة عن باسيل هجوماً على خصمين سياسيين هما سامي الجميل وسمير جعجع، أي أصبح لديه شريك في المواجهة بدليل ما قاله إنّه لا يرضى بتحالف نجله مع فريق حاول قتل والده وثانٍ لا ثقة به».
تقارب باسيل والمر يعزز احتمال تحالف قد ينشئ تحالفات أخرى بين تياريين سابقين ومحازبين آخرين يفكرون في خوض الانتخابات خارج نطاق أحزابهم. لا شيء محسوم بعد، و»لكن المؤكد أنّ باسيل حرّك أحجار «الدومينو» وأوجد دينامية في المشهد السياسي في اللعبة الداخلية، كما أنّ موقفه بالإبتعاد عن «وحدة الساحات» قد يفتح له أبواباً على حوار مع الغرب، وهذا كله من منطق حماية المقاومة».
يستعد «التيار» لدورة 2026 الانتخابية و»خوضها بطريقة مختلفة مع انفتاح أكبر على الكتل السياسية بعدما بدأت المواجهة ضده تخف تدريجياً»، وتقول مصادر باسيل إن «جزءاً من الثوار فتح حواراً معه. وليس تفصيلاً أن تعتبره يمنى الجميل شريكاً محتملاً في المقاربة السياسية للبنان».
وتضيف مصادره أنّه «بدأ صياغة مقاربة جديدة للمرحلة السياسية المقبلة تقوم على الثبات في الموقف والانفتاح على الحوار أي التوازن بين المبادئ والواقعية». أضف الى ذلك أنّه «لا رئيس جمهورية من دونه، ومعه الرئيس الجامع للبنانيين خيار قابل للتحقيق انطلاقاً من مشهد جزين وكلام الياس المر وزيارته قبل أقل من شهر الى زحلة وهو ما يقدم صورة عن الأيام المقبلة». أما على مستوى العلاقة مع «حزب الله» فهو اختلف مع حليفه السابق «خارج الحدود في وحدة الساحات، ولكنه ثبّت حق المقاومة في الداخل المسيحي، ويكفي أنّه تصدى للخطاب الذي ساد عقب اغتيال باسكال سليمان».
من وجهة «التيار»، فإن «إعادة التموضع التي يقوم بها باسيل تشبه اللحظة التي تمكّن فيها الرئيس ميشال عون من التموضع بعد انتخابات عام 2005 والتي أسست لمرحلة جديدة، مع فارق أنّه خضع لإختبارات صعبة لتياره انتهت الى فرض عقوبات عليه». يعيد باسيل ترميم تحالفاته ونسج الجديد منها مستعداً للمرحلة المقبلة، فيما لا يزال تفاهمه مع «حزب الله» في تراجع مستمر، وقد انخفض مستوى العلاقة بينهما وصار «على القطعة»، وكان آخرها انتخابات نقابة المهندسين التي لا يعتبرها «حزب الله» مؤشراً على جديد يسود العلاقة التي أرادها باسيل «على القطعة»، ويقبل «حزب الله» بذلك وهو يرى أنّ صيغة كهذه تضرّ بصاحبها خاصة في الاستحقاق الإنتخابي.
غادة حلاوي – “نداء الوطن”