تحاول الدولة اللبنانية قدر الإمكان معالجة أزمة النزوح السوري الذي يهدّد بلدات بأكملها. وها هي بلدة كوبّا البترونية التي تقع شمال مدينة البترون تخوض معركة شرسة مع الفلتان الذي يحصل بتوقيع بعض المستفيدين من أهالي البلدة.
ضربت كوبّا موعداً جديداً مع محاولة ضبط الفلتان السوري، وهي التي كانت تتأمّل خيراً بالإستفادة من فورة البترون السياحية منذ عام 2020. لكن الواقع كان أقسى بكثير، وهذه البلدة تملك مقومّات تجعلها في الصدارة، وفيها حقول زراعية وأهلها ناشطون في كل الميادين، والأهم من هذا كلّه موقعها على البحر ما يؤهلها للعب دور سياحي يُكمل دور مدينة البترون.
«الموسى وصل إلى الذقن»، بهذه العبارة يمكن وصف واقع أهل كوبّا المنتفضين على الفوضى السورية، وقد وقّعوا عريضة تطالب بمعالجة الوضع قبل أن يصبحوا أقلية و»يوقّع السوري العريضة التي تطالب برحيلهم». ولا تغيب الذكرى الأليمة التي عاشتها البلدة عند اجتياح شكّا في تموز 1976 عن بال كبار أهلها، حيث حاولت مجموعات فلسطينية وحلفاؤها السيطرة على شكا وإحتلال ساحل البترون لإسقاط جونية عاصمة «الجبهة اللبنانية»، فقرعت الأجراس في كل البلدات المسيحية لتحرير المنطقة، لذلك يتساءل الأهالي اليوم: ألم نتعلّم من أخطاء الماضي؟
من يتابع واقع النزوح في بلدة كوبّا، يدرك أنها أزمة مستفحلة. البداية كانت عام 2017 عندما اتخذ محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا قراراً قضى بإزالة المخيّمات غير الشرعية، عندها شعر الأهالي بالإطمئنان، ولو لمدّة قصيرة. وفجأة تمّ استبدال المخيّمات بأبنية شيّدت بين ليلة وضحاها، ومعظمها بلا تراخيص، وعاد السوريون تدريجياً إلى كوبّا.
وحسب آخر إحصاء، يقطن في كوبّا نحو 800 لبناني، بينما يتعدّى عدد السوريين الألفين ومعظمهم بلا إقامات وأوراق شرعية. ومنذ أيام كتبوا شعارات على الجدران مستفزين أهالي البلدة والدولة ومهدّدين. وأمام هذا الواقع تداعى الأهالي ونظّموا عريضة سلّموها إلى قائمقام البترون روجيه طوبيا ومحافظ الشمال القاضي رمزي نهرا الذي قصد كوبّا أمس معايناً أحوال البلدة.
من يقصد كوبّا يدرك أنها بلدة منكوبة بالنزوح السوري، حتى لو حاول أصحاب الأبنية المؤجرة والسوريون ترتيب الوضع قبل وصول المحافظ وجمع النفايات والتقليل من قساوة المشهد، فالمعاناة مستمرة، خصوصاً بعد استقالة البلدية مطلع 2020.
يعمل المحافظ نهرا للضرب بيد من حديد، فالصدمة بدت واضحة على وجهه خلال تفقده أبنية البلدة المؤجّرة، وسلّمه الأهالي عريضة تشرح الواقع والمطالب، وأكّد العمل على تطبيق القوانين وتعاميم وزارة الداخلية وضبط حالة الفوضى والفلتان الأمني وملاحقة كل من هو غير قانوني، وما سيحصل على الأبنية التي كشف عليها نهرا سينسحب على كل مكان يوجد فيه السوري في كوبّا.
والأخطر من كل الفلتان الإقتصادي والسكني السوري هو الفلتان الأمني، إذ دقّ نهرا ناقوس الخطر، مؤكداً لـ»نداء الوطن» وجود عناصر متطرّفة تتغلغل بين السوريين في كوبّا، ويُسمع إطلاق نار يومياً، وبالتالي هذه الحالة يجب معالجتها، معلناً التنسيق مع الجيش في هذا الموضوع، خصوصاً بعد العثور على أسلحة في مخيّمات تمّ تفكيكها سابقاً.
يدرك الأمنيون ومن يتولّون الشأن العام في البترون والشمال الأهمية الإستراتيجية لبلدة كوبّا، التي تقع على مسافة قريبة من نفق شكا، وتستطيع أي مجموعة سورية مسلحة السير على الأقدام لمسافة قليلة وقطع أوتوستراد الشمال – بيروت والسيطرة على النفق وعزل الشمال عن جبل لبنان وبيروت، وما باح به المحافظ نهرا كافٍ لكي تتحرك الأجهزة الأمنية في أسرع وقت وتُرحّل كل سوري غير شرعي.
وبعد إثارة كل هذه االهواجس، لم يتأخر المحافظ نهرا في التحرك، إذ أصدر قراراً وجهه الى مسؤول مكتب أمن الدولة في الشمال، طالباً متابعة الوضع على الأرض والعمل فوراً على إخلاء جميع السوريين المخالفين من كوبا خلال مهلة 15 يوماً باستثناء من يحملون إجازات عمل ولديهم عقد إيجار مسجّل في البلدية، والتشدد في تطبيق القرار تحت طائلة اتخاذ اجراءات قانونية في حق المخالفين.
ما قام به نهرا هو تحرّك في الوقت الحاسم والمطلوب، في حين ستتابع الأجهزة كل التحذيرات الأمنية الموجودة في كوبّا والبترون، وسط الحديث عن تشكيل السوريين عصابات مسلّحة، وقد يكون ما كشف عنه المحافظ جزءاً من سيناريو أسوأ يُحضّر للبترون ولبنان.
ألان سركيس – “نداء الوطن”