توحي حركة المساعي الجارية على خط هدنة الستة اسابيع في قطاع غزة، وكأنّها، بوتيرتها المتسارعة والمكثّفة والمدفوعة بزخم قوي وواضح من قِبل الولايات المتحدة الاميركية، قد دخلت مرحلة العّد التنازلي للإعلان عنها في غضون ايام قليلة، ربما أقل من ذلك. واللافت في هذا السياق، ما اعلنه وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن في ختام زيارته اسرائيل، بأنّ «الساعات المقبلة قد تشهد تقدّماً في المفاوضات حول وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وما زلنا نضغط لحصول ذلك».
على انّ هذه الهدنة الموقتة التي تتسارع الخطى لبلوغها في المدى القريب، لا تعني انّها تُنهي الحرب، وهذا ما تؤكّد عليه الأطراف المشاركة في طبخها، بل أنّها قد تؤسس لهدن أخرى من شأنها أن تطلق مسارات سريعة نحو وقف نهائي لاطلاق النار وإنهاء الحرب.
هذه الهدنة، وكما هو واضح، بمفعول مزدوج، حيث لا تقف فعاليتها ضمن حدود غزة، بل هي ممتدة وصولاً الى لبنان. واذا كانت الهدنة تشكّل حاجة اكثر من ضرورية وملحّة لجبهة غزة، فإنّها منتظرة على أحرّ من الجمر في الجانب اللبناني، كفرصة للتنفس في المنطقة الجنوبية وإخراجها من دائرة الحرب، وذلك ربطاً بما جرى التيقن منه خلال زيارات الموفدين الأجانب الى بيروت وآخرهم الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين، من أنّ سريان هدنة غزة سينسحب تلقائياً وبشكل فوري على جبهة لبنان.
بضعة اسابيع
على انّ الرهان يبقى على استمرار الهدنة واستثمارها لبلوغ انفراجات لاحقة، وفق مصادر موثوقة لـ«الجمهورية» فإنّ «تقديرات الموفدين تحدّد بين ستة وثمانية اسابيع كفترة مرجّحة لوقف الحرب نهائياً، فرضتها عوامل اسباب كثيرة، اولها أنّ الحرب وبمعزل عن نتائجها المدمّرة، صارت عبئاً ثقيلاً، على الولايات المتحدة الاميركية تحديداً، بعدما استنفدت اهدافها، وبلغت أقصى ما يمكن لها أن تبلغه، وبعدما تأكّد لجميع الاطراف أنّ عودة الأسرى الإسرائيليين لا يمكن أن تحصل إلاّ من ضمن التفاوض وعقد صفقة مع حركة «حماس».
الهدنة جنوباً
ليس في الإمكان رسم صورة لما ستكون عليه هدنة غزة، إن تمّ الوصل اليها، وللمنعطفات والمحطات والاستحقاقات التي قد تشهدها، الاّ انّ الصورة في الجانب اللبناني تبدو أقل غموضاً، حيث انّ جبهة الجنوب مرشحة لأن تُحاط بزخم ديبلوماسي اميركي لإعادة تحريك المحادثات التي بدأها هوكشتاين، لنزع فتيل التصعيد والتوتر وتثبيت الأمن والإستقرار على جانبي الحدود.
على انّ ما ينبغي لحظه في هذا السياق، هو أنّ جبهة الجنوب، تشهد في الايام الاخيرة تراجعاً ملحوظاً في وتيرة العمليات العسكرية، على نحو صارت فيه المواجهات، كناية عن مواجهة تقليدية تحت سقف مضبوط بقواعد الاشتباك التي ما زالت تحكم بقوة المواجهات بين «حزب الله» والجيش الاسرائيلي منذ الثامن من تشرين الاول الماضي.
لا حرب
هذا الوضع، وعلى ما قال مسؤول حزبي كبير، في لقاء مع مجموعة من القيادات والكوادر بأنّ «الحرب مستبعدة سواءً في جبهة لبنان، او انطلاقاً من هذه الجبهة الى ساحات اخرى. فالاسرائيلي مضغوط داخلياً، ومحشور اميركياً، ومتعب في ميدان الحرب في غزة، وصارت اولويته الخروج من الحرب، وهو ما يعمل عليه الاميركيون حالياً لتجميل هذا الخروج. في تقديرنا انّ الاسرائيلي يريد أن يدخل الى رفح تحت عنوان البحث عن الأسرى الاسرائيليين، لكي لا يخرج من الحرب من دون ان يعثر على الاسرى. ومن الأساس وعلى جبهة لبنان، وصلنا الى تقدير من البدايات بأنّ الاسرائيلي، لا يستطيع أن يقوم بحربين في وقت واحد لإدراكه صعوبتها وكلفتها الكبيرة عليه، والعدو خَبر ذلك في الميدان، فانتقل الى التهديد والتهويل كغطاء لتركيزه على ما يسمّيه الحلّ السياسي. وهذا الحل، بالصيغ المتعددة التي نقلها الموفدون الاجانب، قد سقط».
صعوبات .. ومستحيلات
الى ذلك، كشفت مصادر موثوقة لـ«الجمهورية» انّ «الوصول الى «حل سياسي» في شأن المنطقة الجنوبية، دونه صعوبات كبرى، حتى لا نقول مستحيلات. فصحيح انّ الفرنسيين حضروا بثقلهم على هذا الملف وقدّموا ورقة للحل، وردّ لبنان عليها بـ«نصف ايجابية»، ولكنهم بدوا في ذلك وكأنّهم يزاحمون الأميركيّين، الذين اوكلوا لهوكشتاين مهمّة تسويق مشروع الحل الاميركي للمنطقة الجنوبية، الذي اعتبر مجتزأ، ما يعني أنّ كلا المشروعين الفرنسي والأميركي، لا يؤديان الى الحل، ولم يتمتعا بقدرة جذب الطرف اللبناني الى الموافقة عليهما.
وقال مصدر رسمي لـ«الجمهورية»، إنّ الحل الاميركي المطروح لمنطقة الحدود، لم يشر الى اي اجراءات او ترتيبات او انسحابات، بل ارتكز على تطبيق مجتزأ للقرار 1701، بمعنى أن يُلتزم به من الجانب اللبناني، وبنشر الجيش، مع التزام اميركي واضح بتوفير الدعم اللازم للجيش للقيام بمهمته. الاّ انّه يعفي إسرائيل من اي التزام او القيام بأيّ إجراء، ويتيح لها في الوقت نفسه الاستمرار في خرق القرار المذكور، وعلى وجه التحديد طلعات طيرانها الحربي والتجسسي في الأجواء اللبنانية. بمعنى اوضح تطبيق القرار 1701 دون إلزام اسرائيل بعدم خرقه. فكيف يمكن لنا أن نقبل بذلك؟ّ. وعند هذه النقطة انتهت وساطة هوكشتاين، التي يًنتظر ان تتحرّك مجدداً اذا ما أُعلنت الهدنة في غزة».
ما قبل 7 تشرين
وفيما اكّد «حزب الله» في فترة سابقة انّه «لا يمكن القبول بطروحات اسرائيل التي ينقلها الموفدون، او بأن تُعطى ما لا تستطيع ان تأخذه بالسلم او بالحرب»، لا يعوّل مسؤول كبير على أي حل وفق المشاريع التي تُطرح، مرجحاً عدم حصول اي تغيير في منطقة الحدود، وقال لـ«الجمهورية»: «اعتقد أنّ أقصى ما يمكن بلوغه من هذه الحراكات العودة بالوضع الى ما كان سائداً عليه قبل 7 تشرين الاول».
المصدر – الجمهورية