يكاد عبد الله بو حبيب أن يكون الوزير الأكثر عرضة للهجمات، التي تأتيه من جهات مختلفة. وهو أكثر من ضُرب من بيت أبيه بسبب مواقف متعددة، من بينها مسألة التشكيلات الديبلوماسية مؤخراً. فيما ضُرب من بيت الحلفاء أيضاً، على خلفية رفضه لترؤس اللجنة الوزارية التي يفترض أن تزور سوريا، للبحث في ملف عودة اللاجئين السوريين إلى هناك. إذ أصر وزير المهجرين عصام شرف الدين على مهاجمته من دون ردّ من وزير الخارجية. ولغضب شرف الدين أسباب متعددة، أراد الرجل أن يخرجها دفعة واحدة بمفعول رجعي. بالنسبة إلى بو حبيب، يلتزم بمعادلة ثابتة كان قد رفعها الرئيس شارل حلو سابقاً حين قال: “عليك أن تختار بين السيء والأسوأ”. ومع الأسف، هناك من يضع اللبنانيين دائماً بين هذين الخيارين. يكمل نقلاً عن شارل حلو: “فمن يختار السيء بدلاً من الأسوأ يتعرض لأشنع الهجمات ويقيمون عليه القيامة”.
المناقلات الديبلوماسية
يتحدث بو حبيب بصراحة متناهية. يتصرّف الرجل ويقول على الملأ “أنا مستقبلي أصبح خلفي”. في ذلك إشارة بارزة إلى أن الرجل يزيح قفازات الديبلوماسية جانباً في مقارباته المتعددة، وخصوصاً لملفات حساسة، سواء بما يتعلّق في الداخل أو حتى الخارج. كما هو الحال بالنسبة إلى تقييمه للمساعي الفرنسية وطريقة التعاطي معها، وصولاً إلى عمل مجموعة الدول الخمس المعنية بالملف اللبناني، والتي تبحث عن حلّ للبنان وتناقش مواصفات الرئيس وبرنامج عمله. وهو ما يظهر عجزاً لبنانياً. يضحك لدى سؤاله عن الخلاف المثار حول التشكيلات الديبلوماسية ويقول: “هناك من اعتبر أنني لبيت طلبات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وأنه رحّب بي في إحدى الزيارات قائلاً أهلاً فخامة الرئيس. وبنتيجة هذه العبارة، قمت بتلبية طلبه في إجراء المناقلات الديبلوماسية”. يشير في ضحكته إلى الاستهزاء من المستوى الذي بلغته السياسة في البلاد. مؤكداً أنه أصر على إجراء المناقلات خوفاً على مصير الوزارة ولإعادة إيقافها على قدميها، لأنه من دون التشكيلات ستنجم أزمة كبرى داخل الوزارة وفي البعثات الخارجية: “فما قمت به هدفه حماية المؤسسات والسفارات والبعثات وعدم تعطيلها”.
ملف اللاجئين السوريين
من الإشكال حول التشكيلات في وزارته إلى الهجوم الذي يتعرض له باستمرار من قبل وزير المهجرين، على خلفية ملف اللاجئين السوريين. يروي بوحبيب قصتها كاملة: “تم تعييني من دون حضوري برئاسة اللجنة، التي تتألف من 7 وزراء لزيارة دمشق، ومتابعة ملف اللاجئين السوريين. ولكنني لا أعرف ما علاقة وزارة الخارجية في معالجة ملف اللاجئين. كما أن اللجنة تضم وزراء الاقتصاد والطاقة والزراعة، فما علاقة هذه الوزارات بملف اللجوء؟ بناء عليه تناقشت في الأمر مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، والذي أبدى تفهماً لموقفي، فاقترح أن يتابع كل وزير اتصالاته مع نظيره في سوريا في إطار تحسين العلاقات، وهذا ما حصل”.
لدى الغوص أكثر في هذا الملف، يتبين أن الخلاف مع وزير المهجرين يعود إلى الزيارة الأولى التي أجريت لوفد وزاري إلى دمشق، إثر زلزال 6 شباط. في تلك المرحلة ترأس بوحبيب الوفد والذي لم يكن من ضمنه شرف الدين، ما أثار غضبه، خصوصاً لدى سماعه من الوزراء عن “إيجابية الاجتماع” مع الرئيس السوري بشار الأسد. إذ مضت الساعة الأولى من الاجتماع في أحاديث متبادلة بين الرجلين، وحول كتاب بو حبيب “الضوء الأصفر”، مع استذكار أول لقاء بينهما قبل سنوات. “ربما ذلك ما أثار حفيظة شرف الدين إلى حدود بعيدة”. يذكر أن وزير المهجرين قد هاجم بوحبيب واصفاً إياه بأنه “نعجة لدى الأوروبيين”، في معرض تعليقه على رفض ترؤس اللجنة للبحث في ملف اللاجئين. يضحك مجدداً ويقول: “عندما ذهبت إلى سوريا بعد الزلزال قالوا إنني وزير حزب الله، وعندما رفضت الذهاب قالوا إن السبب هو الضغوط الأميركية. كل ما في الأمر: ماذا بإمكان وزارة الخارجية أن تفعل في ملف إعادة اللاجئين”.
فشل الدول الخمس؟
لا يحتاج إلى الكثير حتى يعبّر عن ملله من مثل هذه المداولات، سواءً التي تتعلق بالإدارة أو بالوزارة، لأنها أكبر الدلائل على انعدام وجود السياسة في لبنان. في الملفات السياسية، يعود إلى تقييم الحركة الخماسية ونتاجاتها. فيعتبر أنه طالما هذا التدخل مستمر بشكل متضارب، فلا يمكن توقع الوصول إلى حلّ. وحتى الآن، فإن مهمة الدول الخمس قد فشلت. معبراً عن انتقاده لآلية التصرف مع لبنان، وكأنها تذكّر بحقبة “القناصل” الذين يملون على اللبنانيين ما يتوجب فعله، ويهددون بالعقوبات أو غيرهما. فيما اللبنانيون ينتظرون لودريان وما يحمله، من دون أن يقدم أي طرف منهم على المبادرة أو على القيام بواجباته. وهذا من شأنه أن يطيل الأزمة أكثر.
بالنسبة إليه، لا يبدو أن الأفق مفتوحاً حتى الآن، بسبب التضارب والتباعد الكبيرين في المواقف. هناك طرف متمسك بسليمان فرنجية، وطرف آخر يرفضه، وطرف ثالث يطرح ترشيح قائد الجيش جوزيف عون. لا تشير مواقف القوى إلى إمكانية الوصول إلى تفاهم قريباً. فلا الثنائي الشيعي مستعد للتنازل عن فرنجية، ولا يزال يرفض انتخاب قائد الجيش جوزيف عون. بالنسبة إلى بو حبيب فإن المعركة حالياً محصورة بين الرجلين، ولكن لا وضوح لقدرة أحدهما على الفوز. ففرنجية أيضاً، طريقه صعبة ووعرة. إذ لا يوجد أي طرف مسيحي يمكنه الذهاب إلى انتخابه، وأي طرف سيذهب إلى مثل هذا الخيار ستكون خسارته شعبياً ومسيحياً محتّمة. وفق وجهة نظره، فإن التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية كل منهما ينتظر الآخر متمنياً أن يوافق على انتخاب فرنجية، لتسجيل الأهداف على حسابه شعبياً. كذلك هناك صعوبة لدى التيار الوطني الحرّ في الذهاب إلى انتخاب فرنجية الذي يستمر في مهاجمة الرئيس ميشال عون وجبران باسيل. وبالتالي، كيف يمكنهما انتخابه.
يشير بو حبيب إلى نقطة مهمة وأساسية حول الوضع المسيحي، وإمكانية موافقة أي طرف على انتخاب فرنجية بالقول: “من يريد انتخاب فرنجية عليه أن يؤمن مكتسبات ومطالب استراتيجية وبعيدة المدى للمسيحيين، وليس على قاعدة الحصول على مكتسبات خاصة في العهد والوزارة والإدارة أو قائد الجيش أو حاكم المصرف المركزي”. إنما المكتسبات يفترض أن تكون متعلقة بأمور أساسية من بينها اللامركزية المالية والإدارية الموسعة، والصندوق السيادي. هذه في حال تحققت يمكن أن ترفع من حظوط الطرف المسيحي القادر على جلبها، بغض النظر عن انتخاب فرنجية. وهذا ما يعمل عليه جبران باسيل مع حزب الله، بتوفر شرط أساسي وواضح وهو أن يتم إقرار هذين الملفين بقوانين في مجلس النواب قبل التوجه إلى جلسة الانتخاب”.
منير الربيع – المدن