نجوى ابي حيدر – “المركزية”
المركزية- مسرحية هزلية ام فيلم كوميدي او مسلسل تراجيدي هي جلسات انتخاب رئيس لجمهورية لبنان؟ خفة ما بعدها خفة وانعدام جدية ومسؤولية لم تشهد مثلهما اكثر الدول تخلفا على الاطلاق في مجاهل افريقيا، هذا الكمّ من الاستخفاف في مقاربة ملف على هذا المستوى من الاهمية في لحظة وجودية مصيرية، لا يقبله عقل ولا منطق. نمط تعاط لا بدّ يقود البلاد الى فراغ محتّم غير مضمونة نتائجه، لا سيما إن لم تفلح الوساطات المكوكية في تشكيل حكومة تسبق مغادرة الرئيس عون قصر بعبدا يوم الاحد المقبل، فتشرّع ابواب الخطر على فوضى امنية لا تخفي جهات دبلوماسية غربية قلقها من احتمال حصولها في اي لحظة، ولحظة انتقال الرئيس من بعبدا الى الرابية في ظل دعوات لمواكبتها شعبيا قد تشكل فرصة يقتنصها من يتطلع الى وضع مماثل وفرض واقع جديد يحتم تسوية ما قد تستوجبها تحديات المرحلة وتسوياتها الجاري العمل عليها خلف الكواليس.
الفوضى يمكن ولوجها من بابين عريضين في الظروف المتحكمة بالميدان اليوم. الباب المالي من خلال استغلال حركة الدولار والاعتراضات الشعبية على ارتفاعه الجنوني واقتحام المصارف المتكررة فصوله تباعا ، وآخرها في صيدا اليوم، وباب الساحة المسيحية الناقمة بمعظمها على العهد مقابل قلة قليلة من مناصري الرئيس عون وتياره الوطني الحر الذي يعدّ العدة لمواكبة انتقال الرئيس من القصر الى منزله في الرابية، بما يمكن ان يتخلله من مناوشات او اشكالات بين الـ”مع” والـ”ضد”. وهنا تقول اوساط امنية ان رسائل امنية وصلت الى المسؤولين الحزبيين تحذر من مغبة تحريك المناصرين لأن اي خطوة من هذا النوع ستواجه بالقمع الشديد. وتوازيا افادت مصادر في احزاب المعارضة ان تعليمات صارمة اعطيت لكل المحازبين بتجنب الاحتكاك مع “العونيين” لان ذلك قد ينعكس سلبا على الاستقرار ويشكل ذريعة لمن يتطلع الى فرصة مماثلة لاقتناصها وأخذ البلاد الى مكان آخر.
الفراغ الأتي بعد اسبوع تعزوه اوساط سياسية مراقبة عبر “المركزية” الى جملة معطيات منها داخلي وآخر يتصل بغياب الدفع الخارجي وتحديدا الغربي، الذي ولئن توافر ترسيميا وشكل المحرك الاساس، ولولا الوساطة الاميركية لما كان اتفاق، بيد ان المصالح التي توافرت وتقاطعت هناك هي غيرها في استحقاق لبنان الرئاسي، وتبقى حتى الساعة غير متوافرة، في حين ان حالة من العقم السياسي تسيطر داخليا بفعل انقسام المشهد بين ثلاثة قوى اساسية واحدة منها فقط حددت خيارها وجسدته، بمرشح هي احزاب المعارضة المجتمعة على النائب ميشال معوّض وفق رؤية سياسية وطنية وبرنامج واضح، ولن تتراجع عن ترشيحها هذا، الا اذا حصل تنازل من الفريق الاخر الممثل بقوى 8 اذار على مرشح جامع بعيد من خط الممانعة واستنادا الى حوار والى برنامج يناسب المرحلة لانها، وبحسب اوساطها، ليست في وارد تكرار تجارب الماضي وتقديم التنازلات. الفريق الثاني المتمثل بقوى 8 اذار عاجز حتى الساعة عن توحيد رؤيته ومرشحه وتصوره، بفعل عدم بلورة التيار الوطني الحر ترشيح رئيسه النائب جبران باسيل المُراهن على بعض المتغيرات لاعتقاده انها قد تبدّل المشهد وتفتح امامه باب الرئاسة على غرار تجربة العام 2016 حينما تبدّلت المعطيات كلها فجأة لمصلحة عمه الرئيس عون، وقد زاد ملف ترسيم الحدود من قناعته هذه اضافة الى التواصل الاميركي والفرنسي مع عون في الاعقاب، فبات ينتظر دينامية تشبه تلك وتحمله الى قصر بعبدا، ورهانه هذا لا يمكن ان يكسره حزب الله غير المستعد لخسارة حليفه المسيحي.
اما فريق التغييريين والنواب السنّة فمقارباته غير واضحة لا يجتمع على مرشح، وترى احزاب المعارضة انه يفتقد الى النضوج السياسي بدليل تبدّل مرشحه في كل جلسة، على رغم ان حسم قراره الى جانب المناهضين لحزب الله يمكّنهم من تملك ورقة قوة قد لا تنتج رئيسا لكنها تفعل فعلها حكما في مجال فرضه.
هذا الواقع معطوف على انعدام الدفع الخارجي من شأنه، بحسب الاوساط، ان يؤسس لفراغ طويل، لا مؤشرات الى كسره الا نتيجة حوادث امنية على غرار ما استبق مؤتمر الدوحة، والا وخلاف ذلك، تختم الاوساط، قد يكون الجميع في انتظار كلمة سر ستصل حين تنضج الظروف المحيطة برئاسة لبنان اقليميا ودوليا، ولدى الرئيس نبيه بري على الارجح اول حروفها.