عماد الشدياق – أساس ميديا
كتب عماد الشدياق في “أساس ميديا”:
هل يصل سعر صفيحة المازوت إلى 2 مليون ليرة نهاية الصيف؟ ماذا عن صفيحة البنزين؟ هل تصل هي الأخرى إلى هذا الرقم أيضاً؟ وماذا عن فاتورة “الاشتراك” في المولّدات الكهربائية الخاصّة؟ كيف سيتمكّن اللبنانيون من إنارة منازلهم ومحلاتهم؟
الجواب غير موجود لدى وزارة الطاقة اللبنانية، ولا لدى مستوردي المحروقات، ولا أصحاب المحطات أو أصحاب المولّدات… وإنّما في روسيا!
قبل أيام، حذّر محلّلو المصرف الأميركي الشهير والمزوّد الرئيسي للخدمات المالية JP Morgan، من وصول أسعار النفط العالمية إلى 380 دولاراً للبرميل الواحد في الأشهر المقبلة، خصوصاً في حال دفعت العقوبات الغربية بروسيا، التي تنتج نحو 10 ملايين برميل يومياً، إلى تطبيق “تخفيضات انتقاميّة” لإنتاج الخام.
اعتبر المحلّلون أنّ خفض الإمدادات الروسية بمقدار 3 ملايين برميل يومياً (30%) سيرفع سعر النفط الخام إلى رقم قياسي قد يبلغ 190 دولاراً، وقد يحصل السيناريو الأسوأ في حال لجأت موسكو إلى خفض إنتاجها إلى النصف، أي بنحو 5 ملايين برميل يومياً، فقد يعني هذا أنّ سعر البرميل الواحد قد يصل إلى 380 دولاراً.
يميل المحلّلون في JP Morgan إلى الرأي القائل إنّ روسيا ربّما تختار هذه الوسيلة في غضون الأشهر القليلة المقبلة، من أجل الانتقام من الغرب ردّاً على العقوبات، خصوصاً مع استعداد الغرب لإطلاق الحزمة السابعة من هذه العقوبات، في محاولة لتشديد الخناق على ما يسمّيه “آلة الحرب” التي يقودها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا.
ما يزيد من اعتقاد الخبراء بأنّ موسكو قد تلجأ إلى هذا الخيار تحت أعذار متنوّعة، من مثل أعمال الصيانة التي استخدمتها لقطع الغاز عن القارّة الأوروبية قبل أيّام مع اقترابنا من النصف الثاني من فصل الصيف، هو موقفها الاقتصادي “القويّ”، الذي سيمكّنها من خفض الإنتاج بهذا المقدار، ولو لوقت قصير، من دون الإضرار بالاقتصاد الروسي بشكل مفرط، لكنّ هذا الأمر ستكون نتائجه كارثيّة على بقيّة اقتصادات العالم، خصوصاً إن لم تفضِ القمّة “الأميركية الخليجية + 3” المرتقبة مع الرئيس الأميركي جو بايدن في السعودية إلى أيّ شيء، مثلما يبدو. إذ تذهب كلّ دولة إلى القمّة وفي جعبتها اهتماماتها الداخلية الخاصة (الولايات المتحدة تريد رفع الإنتاج، ومصر والأردن منشغلان بأزمتهما الاقتصادية الداخلية، والسعودية والإمارات مهتمّتان بالملفّ النووي الإيراني وملفّ اليمن…).
سيناريو ضعيف؟
لكن على الرغم من ذلك، يرى بعض المحلّلين أنّ هذا السيناريو قد يبقى ضعيفاً بعض الشيء أو من دون جدوى، خصوصاً إذا سادت الكوكبَ موجةُ ركود اقتصادي عالمي، وأفضت إلى كبح الطلب العالمي على النفط. عندئذٍ قد يحدّ الركود من حجم الطلب على النفط، واستطراداً من خطوة روسيا الانتقامية، ويخلق ما يشبه التوازن بين خفض الإنتاج المتعمَّد وتراجعه الطبيعي نتيجة الأزمة المتوقّعة.
لكن بمعزل عن السيناريوهات هذه، فإنّ لبنان بطبيعة الحال لن يكون بمنأى عن الأزمة، بل على العكس سنكون من أشدّ وأسرع المتضرّرين منها، خصوصاً في مجال التيار الكهربائي الذي سحبت السلطة اللبنانية يدها منه نهائياً، موكِلة الأمر إلى أصحاب المولّدات الذين يسعّرون “الأمبير الكهربائي” على هواهم بلا أيّ حسيب ولا رقيب.
في بقيّة دول العالم، تتحمّل خزائن الدولة هذا الهامش من الخسائر إلى حين البحث عن بدائل (سنّ تشريعات أو زيادة التعرفات)، باعتبار أنّ هذا الوقت المستقطَع، خلال البحث عن حلول، يمكِّن المواطن من أن يلتقط أنفاسه.
أمّا في لبنان فالأمر مختلف لأنّ اعتمادنا على كهرباء المولّدات الخاصّة و”الاشتراكات” يجعلنا نكون كَمَنْ يغرف النفط من منبعه ويتأثّر بسعره في لحظتها On the spot. إذ لا يكون هناك وسيطٌ بيننا، نحن المواطنين، وبين الأسعار العالمية للنفط، فنتأثّر بها فور ارتفاعها، خصوصاً سعر الطاقة الكهربائية الذي ندفعه ثمناً لمازوت مولّداتنا الخاصة أو لأصحاب الاشتراك.
في عملية حسابية بسيطة لسعر صفيحة المازوت، يمكن الاستنتاج أنّ ارتفاع سعر برميل النفط من نحو 120 دولاراً اليوم إلى 190 دولاراً، أي بنسبة 58.3%، سيرفع سعر الصفيحة من 25$ (716 ألف ليرة) إلى 42.741$، أي إلى ما يناهز 1.253 مليون ليرة لبنانية. أمّا صفيحة البنزين التي يبلغ سعرها اليوم 23$ (680 ألفاً)، فسيمسي سعرها هي الأخرى قرابة 36.4$، أي 1.076 مليون ليرة لبنانية.
أمّا إذا صحّت مخاوف محلّلي “مورغن” وارتفع سعر البرميل إلى 380 دولاراً، أي بارتفاع 3 أضعاف وأكثر، فإنّ سعر صفيحة المازوت سيصبح 75$ (2.1 مليون ليرة)، بينما سيكون سعر صفيحة البنزين 70$ أو 2 مليون ليرة لبنانية… وهذا كلّه إذا اعتبرنا أنّ سعر صرف الدولار بقي ثابتاً عند نحو 29 ألف ليرة للدولار الواحد ولم يقفز إلى سقوف أعلى. عندئذٍ يمكن القول إنّ المحروقات ستتحوّل إلى “حلم بورجوازيّ” لا يمكن بلوغه.
سيؤثّر هذا السيناريو، إن حصل، بشكل هستيري على أسعار السلع كلّها، وخصوصاً على تعرفة التزوّد بالتيار الكهربائي، بحيث لن يكون لأحد من المواطنين اللبنانيين القدرة على تحمّلها. إذ ستقفز تعرفة الـ5 أمبير، التي تكلّف أيّ منزل في لبنان بين 100 و150 دولاراً شهرياً، وفق السيناريو الأول إلى ما بين 150 و200$. أمّا وفق السيناريو الكارثيّ الثاني، فستكون تكلفة الأمبيرات الخمسة نحو 300 دولار أميركي في أقلّ تقدير.
وسط هذا كلّه تبحث حكومات الدول كلّها عن حلول، وتعقد الاجتماعات على مدار الساعة. أمّا حكومتنا اللبنانية فلا تستعجل أمراً، وتستمرّ بسياسة التسويف والمماطلة، وبنهج تقاذف التهم بين هذا الحزب وذاك التيار، فيما المواطنون اللبنانيون يموتون في العتم… “وعَ البطيء”!