في الأزمة السياسية المفتوحة يتصدر المشهد الرئيسان ميشال عون ونبيه بري. ويستمر الصراع بينهما، على الرغم من مساعي التهدئة التي يبذلها حزب الله.
لكن أمين عام حزب الله لم يقدّم أي حل للمعضلة الحكومية: جدد التزامه بمبادرة بري. ما يعني أن الأزمة طويلة. وفيما يتصدر عون وبري المشهد، يغيب عنه الحريري الذي يفضل الوقوف في جانب المتفرجين على تلك المعركة. إلا أنه يظل الأهم في المعادلة. فالأنظار كلها تتجه إليه. فهو الرئيس المكلف تشكيل الحكومة. وعون يرفضه، وتمسك به بري حتى النهاية. أما هو فمتمسك بتكليفه إلى حين، وفق مصادر متابعة.
ولا تزال أمام الحريري الخيارات عينها: استمراره على موقفه، من دون تقديم أي تنازل على وقع استفحال الأزمة والإنهيار، أو الاعتذار، أو تشكيل حكومة بشروطه.
في حال عدم اعتذاره قد يتعرض لضغوط أميركية – فرنسية، بعد التنسيق بين الطرفين. فيضع نفسه في مرتبة باسيل بالنسبة إلى الدولتين. أما الاحتمال الثالث، فيبدو مستحيلاً، وأي حكومة من خارج القواعد التي فرضها تعني تلقيه ضربة سياسية كبيرة.
ولذا يعود البحث في خيار الإعتذار، وتوقيته تحديداً. إذ لا يمكن ترك “معركة الصلاحيات وتشكيل الحكومة” في يد رئيس المجلس النيابي. فعلى الرغم من الفائدة الكبيرة من موقفه وانطوائه على إيجابيات في اللعبة السياسية، لكنه ينطوي على سلبيات أيضاً.
فثمة سؤال يطرحه مسؤولون كثر في الكواليس السياسية عن اعتذار الحريري، متسائلين: هل يفتح الاعتذار باباً لسعد الحريري في الرياض؟ ويعتبر هؤلاء أن الاعتذار من فرص الحريري الجدية والحقيقية ليبدأ بفتح صفحة مع السعودية، وتصحيح بعض الأخطاء أو الالتباسات التي تعتري علاقته بها. ويترافق هذا مع مساع عدة مستمرة على طريق تحسين العلاقات بين الحريري والمسؤولين في المملكة.
خنق عون وتياره
وفي المقابل يرى آخرون أن خيار الاعتذار أصبح الأكثر ترجيحاً، ليعود بنتائج إيجابية على الحريري. لكن الأهم هي مسألة توقيته. فهو يترك الأمور تتدحرج وتضيق حتى اختناق رئيس الجمهورية وتياره. لذا، فالاعتذار مؤجل حالياً، لأنه يفيدهما ويصب في مصلحتهما، ويؤذي الحريري وبري، لينقلب في مصلحتما بعد مدة معينة. وذلك عندما يحين فرض تشكيل حكومة انتخابات بمعايير مختلفة عن المعايير القائمة حالياً، بناء على موافقة الحريري شخصياً على الشخصية التي يفترض تكليفها، وعلى شكل الحكومة أيضاً.
وإلى حين لحظة الاعتذار، يعمل الحريري على إعداد تشكيلة حكومية من 24 وزيراً وفق المعايير التي يعتمدها، فيحملها إلى قصر بعبدا ويعرضها على رئيس الجمهورية الذي يفترض أن يرفضها أو يطلب تعديلات عليها لكسب الوقت. وأنذاك تعود اللعبة إلى تقاذف المسؤوليات بين الطرفين، فيقدم الحريري اعتذاره بكلمة إلى اللبنانيين يضع فيها النقاط على الحروف، ويحمِّل رئيس الجمهورية مسؤولية التعطيل. وعلى هذا الأساس يبدأ التحضير للانتخابات النيابية.
لا يريد الحريري، إذاً، أن يبرم أي طرف تسوية معينة للاتفاق على حكومة جديدة، مهما كانت علاقته به. بل هو يفضل أن يقود بنفسه صناعة التسوية الجديدة، وبلورة حكومة تمكنه من طرح أوراق كثيرة على الطاولة، وتحصيل أوراق جديدة. وهذا له حسابات المتعددة داخلياً وعربياً، وحتى بعد الموقف الفرنسي – الأميركي المشترك.
المصدر – المدن
نقلا عن موقع المركزية