المركزية-
بعد قرار المجلس الدستوري بوقف مفعول قانون منح مؤسسة كهرباء لبنان سلفة خزينة، وجد البعض في هذا القرار انحيازاً لفريق سياسي فيما قرأ البعض الآخر التريّث مقدمة لقبول الطعن، لكنّ آخرين اعتبروا ايضا القرار طعناً من قبل رئيس المجلس الدستوري طنوس مشلب الذي سمّاه رئيس الجمهورية. فما هو تعليق مشلب على المتداول به ولماذا اتخذ المجلس هذا القرار؟
يرفض مشلب في حديث لـ”الجمهورية” كل الافتراضات او الاتهامات التي يحاول البعض ترويجها في الاعلام، لافتاً الى “أن القضاء العدلي في لبنان يُظلم، وأصبح البعض يستسهل اتهامه خصوصاً في القاموس السياسي اللبناني”، ومضيفاً “أن البعض يعتقد ان المجلس الدستوري منحاز الى التيار الوطني الحر عندما يتقدم الاخير بأي طعن في القوانين التي يتم إقرارها في المجلس النيابي، وكذلك يعتبر البعض الآخر ان قبول المجلس الدستوري اي طعن تقدمه “القوات اللبنانية” او غيرها إنحيازاً لـ”القوات”، إلا أن الحقيقة ليست كذلك لأن هذا التصنيف هو سياسي بامتياز يقرأ في السياسة اللبنانية وليس في قاموسنا”.
ويؤكد مشلب “ان المجلس بجميع اعضائه لا علاقة له مطلقاً بالسياسة ولا بالتصنيفات السياسية ولا بالتعليقات التي تطلق من هنا او من هناك”، مضيفاً: “نحن نعمل كمحكمة نأخذ القرار، نتمعّن فيه، نناقشه”، مذكّراً بأنه كقاضٍ مارس القضاء منذ 42 عاما، جازماً في أنه لا يعرف معنى المراجعة في مسيرته، ولم يراجعه أحد، ولا يفهم كيف يتم الضغط على قاض.
ويكشف مشلب انّ علاقات كثيرة وقوية تربطه مع مختلف الاطراف السياسية وقد تكون “القوات اللبنانية” من اكثرها، بحسب تعبيره، إنما تربطه ايضا علاقات وطيدة مع نواب “التيار الوطني الحر” وغيرهم من الأفرقاء السياسيين. ويضيف: “أمّا إذا اراد البعض تصنيفي مع جهة معينة فجوابي هو اني أفتخر ولي الشرف في أن اكون على صداقة مع رئيس الجمهورية، إنما انا وغيري في المجلس عندما نجلس في غرفة المذاكرة نطلع على ما ينص عليه القانون ولا نتقيّد بردات الفعل في الخارج، فنحن نحتكم الى القانون فقط ولا نعير اهمية للتعليقات من هنا وهناك او للحسابات السياسية”.
الرئيس سمّاني: يستعيد مشلب في حديثه لـ”الجمهورية” حقبة انتخابات المجلس الدستوري وتسمية اعضائه، مشيراً الى أنّ الأعضاء أيضاً ليست لهم اي علاقة بالتسميات، وان العادة جرت في كل بلاد العالم ان يتم التعيين بالطريقة التي تم بها التعيين في لبنان، أي التسمية على يد المجلس النيابي والأفرقاء السياسيين في البلاد. ويكشف مشلب ان تسمية رئيس الجمهورية له تمّت على رغم من انه لا يعرفه شخصياً بل كان على معرفة بالوزير شكيب قرطباوي.
وبالعودة الى القرار في شأن سلفة الكهرباء، أوضح مشلب “ان القرار ليس موجّهاً لا ضد العهد ولا مع فريق “القوات” تحديداً، القرار هو بمثابة وقف تنفيذ قد نكمل به اذا توصّلنا الى نتيجة تظهر أن القانون مخالف للدستور فيتم إبطاله، اما اذا توصّلنا الى نتيجة بأن القانون غير مخالف للدستور فلن نبطله وسنرد الطعن”.
وصوّب رئيس المجلس الدستوري ماهية القرار فأوضح أنه “قرار مؤقت لدرس الملف ولتجميد العمل بالقانون، اي حتى الساعة ليس هناك قبول او رفض للقانون بل تريّث وتجميد للحالة لتبقى كما هي عليه اليوم.
أمّا الحديث عن انحيازنا لفريق سياسي ضد آخر او اننا طعنّا بالعهد، فنرد اننا لم نطعن بأحد وليس لدينا علاقة بأي من الأفرقاء السياسيين فعلاقاتنا محصورة بالقوانين”.
وينفي مشلب ان يكون اي فريق قد راجعه في هذا الملف، مؤكداً أن احداً لم ولن يراجعه لأنهم يعرفون شخصيته وكيفية التعاطي معه “وخَلّيهن يجرّبوا”.
ويلفت الى انّ “المجلس يدرك جيدا حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، وبالطبع يأخذ في الاعتبار المصلحة القومية الاجتماعية اللبنانية إلا أن كافة الطعون التي تُقدم للمجلس الدستوري ينظر اليها المجلس من الناحية الدستورية ويتعاطى بها ومعها على هذا الاساس، كما يدرك المجلس واعضاؤه جيداً انّ واجبات المجلس النيابي التشريع لتأمين مصلحة الشعوب وهو مُجبر على تأمين الكهرباء لشعبه، إلا ان الاعتبارات بالنسبة الى المجلسين النيابي والدستوري مختلفة، فليس للمجلس الدستوري وصاية على المجلس النيابي وليس لدينا صلاحية الملاءمة، بمعنى انّ المجلس النيابي هو الذي “يقدّر” او “يلائم” ما اذا كان من المتوجّب عليه طلب “سلفة”. موضحاً “انّ المجلس الدستوري لا علاقة له بما يَرتئيه المجلس النيابي”، لكنه في المقابل اكد “أن المجلس النيابي من واجباته ايضاً ان يكون سيّد نفسه في التشريع، إنما المهم ان لا يتعدى على حقوق الافراد بنحوٍ عشوائي في الدستور”.
في السياق، ترى الأوساط المتابعة ان المجلس الدستوري لم يكن ليتريث ويجمّد القانون لو أقرّ على شكل “مساهمة” وليس “سلفة”. الّا ان مشلب يصوّب هذا الافتراض ويقول: “نّ الامرين سَويّين” السلفة والمساهمة، خصوصاً اذا كان سيتم صرفهما من مالية الدولة اللبنانية، لافتاً الى إمكانية ان يستند نص الطعن المقدّم الى الضرائب التي قد تفرضها الدولة على المواطن لتأمين تلك المساهمة.
وعلَّلَ مشلب القرار بالقول: “انّ المجلس استند الى الطعن والى ظاهر الملف، وأوقفنا التنفيذ، أي نوقفه ظاهرياً ولم ندخل في الاساس لأننا عندما سندخل في الاساس والنقاشات قد يرى بعض الاعضاء الامور مختلفة وقد يعارض البعض الآخر الطعن والبعض قد يقتنع به، ولذلك ارتأينا مرحلياً تجميد الحالة كما هي عليه لنكون قد توصّلنا الى إجماع لاتخاذ القرار النهائي”.
ويختم مشلب: “نحن نركّز اليوم على فرضية اذا تم صرف السلفة ووصلنا بعد شهر الى اقتناع بأنّ القانون باطل يكون قد فات الاوان لأنه يكون قد تم دفع السلفة وبالتالي نكون قد أبطلنا القانون بلا جدوى، عندئذ سنكون مضطرّين الى السير في القانون لأنه لن يعود لدينا خيار او اثباتات للارتكاز إليه. وبالتالي، ليس دقيقاً ما يقال اليوم من أن قرارنا التريث هو دليل الى أننا سنسير في الإبطال لأنه ليس كذلك مطلقاً، فقرار المجلس الدستوري ليس قرار قرينة وانّ الغاية من القرار المتخذ هي فقط للدرس والتمحيص قبل اتخاذ القرار النهائي”.
المركزية