- Advertisement -

- Advertisement -

نظير يوسف ضو الوكيل الأمين والإنسان الرصين / بقلم : غانم عاصي

بصوت خافت تخنقه الدمعة، وبألم هائم تلفحه الغصّة :
“… شكرا يا أخي غانم على مواساتك لي بوفاة شقيقي جان ولنتضرّع الى الله ليرحمه وليشفي المرضى…”. وكان الإتصال الأخير مع الصديق نظير، وبعدها وبوقت قصير عرفت بإصابته بذلك الوباء الخطير، وراحت فتري ورحنا معها ننذر ونصلّي ونقيم”التسعاويات” ونشارك في القداسات، متوسلين له الشفاء، ولكن الله سبحانه تعالى، أظهر حاجته لهذا المعدن من البشر ولتلك الطينة من الناس، بينما نعيش في زمن وننتمي إلى وطن، غابت فيه الطيبة، وانتحب الذوق، وانتحر الإحساس، وسيطر الكفر ،وساد التخاذل ،وانتشر الفساد.
ورحل نظير يوسف ضو في ليلة نيسانيّة ،حزينة لا بديعة، وبطريقة سريعة، مشكّلا للجميع صدمة فظيعة، حيث أُدخل المستشفى على سبيل الإطمئنان وخرج منها ملفوفا بالأكفان. وما إن بلغني نعيك يا صديقي ! حتى صعقني الخبر، وخِلْتُني أغرق في دموعي،وراحت تلاطمني أمواج الفراق، وتتقاذفني رياح الألم، على غياب صديق مميّز وسليل عائلة مميّزة وابن ضيعة مميّزة ،وما بَرِحت أهرق كلماتي على أوراق الغروب، ليسيل قلمي ألمًا وقلبي دمًا وروحي غمًّا… فهل أُطلق العنان لأفكاري؟ لتُسهب في شرح حياة من ولد ونشأ في بيت مؤمن وسط شقيق وشقيقتين،كما أنه أسّس عائلةمؤمنة ومثقّفة بالتعاون مع شريكة حياة فاضلة، وما حرمه الرب نعمة الأبوّة، إذ وهبه الله إبنًا وحيدًا وابنةً وحيدةً.
هل أسترسل في الكلام ! ، على عضويّتك للجنة الوقف في رعيّتك ، ولسنوات طويلة ، فكنت نائب الرئيس والفاعل النشيط في حقله، والبنّاء الحكيم في رعيّته، وسط زملاء متضامنين ومتفاهمين، وعاقدين للخناصر في سبيل النموّ والإزدهار، وخاصة زمن خدمة الخوري الصديق بطرس عطالله،فماذا تراني أقول لهم! وهم يعانون المرارة والألم في غياب أحد شركائهم في الخدمة،لا بل أحد رفاقهم في قافلة الإيمان والعمران. نعم. ماذا تراني أقول! لجوزف سعيد وسمير ضو وغابي كامل وفراس الدكاش وغسّان حاتم ويوسف الجميّل وهنري سعيد …
أما البيئة الخلّابة التي شهدت زمن طفولتك وعهد صبائك، حتى آخر أيّامك، فتراها متألّمة اليوم، وقد عشت فيها في كنف هذا الجبل الأشمّ ،وعلى ضفاف ذلك النهر التاريخي، وفي أحضان تلك الطبيعة الساحرة، فيعزف اليوم حفيف الشجر نغم الفراق، وتدندن العصافير عندلة الإشتياق،ويخرّ النهر باكيًا علي من زرع الفرح، وسقى الأرواح العطشى من غدير عطاءاته وفيض إهتماماته.
وأسافر على أجنحة الأحاسيس، راكبًا على متن طائرة المشاعر، قاصدا عالم العاطفة.
أَتُراه بعد انكسار جناحه الآخر، استحال رغد عيشه مرارة!!! وحلاوة دنياه بشاعة!! !
أتراه بعد ذلك الإنكسار، غاب عن قاموسه معنى الإنتصار، وغادر وادي الدموع هذه، كي يلاقي الأحبّة في السماء! وليلتحق بسرب الأوادم الذي أضحى كبيراً في العلياء.
وهاانذا أسرح بين همومي ودموعي، فأشهق صدقاً وأشهد حقاً، ساكباً كلماتي على خدود الصفحات ودمعاتي على خدود الوجنات، ومن ثمّ أسترجع الماضي وأسبح في الخيال، ثم أستيقظ لأجد أهل فتري يخسرون اليوم، رمزاً من رموزهم وكنزاً من كنوزهم، وشاهداً من بينهم، وصفحة من أمجادهم ،وفلذةً من ذكرياتهم، وعبقاً من تاريخهم، وأراهم يفقدون إنساناً “آدميّا”، ونهجاً عمرانيّاً ،وشخصاً لطيفاً،ووجهاً أليفاً، وحضوراً لائقاً، ونظيراً باسقاً، وضوءًا سامقاً.
ووجدتُني أتعرّض لخسارة كبيرة في تجارة الوزنات، نعم لقد خسرت صديقاً صادقاً وزميلاً عزيزاً ورفيقاً مميّزاً،تشاركنا الخدمة والعمل في حقل الرّب، من أجل رفع مداميك البشر والحجر ودحر الطغيان والكفر.
غدًا عندما أقصد فتري الغالية،سألمحك عند كلّ مفترق، وسألمح خيالك مرسومًا على الدروب، وشخصك متغلغلًا في القلوب، سأراك تحت فيء شجرة، أو مستلقيًا على صخرة،أم في ساحات الضّيعة موجودًا، أمّا في قلب الكنيسة ساجدا،سأراك وأراك…. والرّعشة تشلحني بين الحنين والحنان ،والحسرة ترميني في قلب الأسى والألم،ولكنّ أخالك رغم ذلك يا صديقي ،و”الأهلا” تُقبّل شفتيك،لتنطلق إلى مسامعنا صافية ونقيّة،بينما ستشتاقك مهرجانات عيد السّيدة في فتري،وسيفتقدك المسرح وأدراج الكنيسة،وتستحيل المناسبات بغيابك لوحات باكية على جماليّة الأيّام العابرة، وعلى تلك الليالي العامرة،حيث كنت تشعّ بوجهك المضيء،وتحفر علامات الوفاء والتقدير، وأنت تهرع إلى “البوّابة” مع صحبك لإستقبالي مع صحبي، ولكم قصدتكم لأشارككم احتفالاتكم ، وبما أكنّه لكم من محبّة، ولشفيعتكم من إيمان، ولكي أسكب على مسامعكم ما حباني الله من موهبة الكلمة.وهكذا يا نظير ،لا تقبل إلّا أن تختار لي “مطرح” إلى جانب المسرح،وتروح تتهادى بين فرح الإستقبال وشدّة الإنشغال لتكمل المشاهد التي ستسكن في البال. ثمّ تتماوج بين موائد المودّة وتسكر الألباب على وقع رنين الأنخاب، وتروح وتجيء، لتعالج أيّ نقصٍ، ولتتجنّب أي إنتقاد،وما أن أعتلي المنبر حتّى تعدو نحوي لتمدّني ببعض المعلومات عن الحضور أو لتعطيني بعض الملاحظات “الفتراويّة”.وتحضر اللحظة الأحبّ إلى قلبك بعد الوصلات الفنّيّة والشعريّة، ألا وهي “فتح باب التبرّعات “وتشرّع سجلّك كما تشرّع قلبك، وتزيد الوزنات بين يديك كما الإبتسامات على وجنتيك،أنت تجمع الألوف وأنا أؤلف القصائد.وهذا المتبرّع قادم من هنا وذاك من هناك وتلك من تلك الزاوية… ،ونظير ورفاقه يجمعون المال كما الشمل ويحملون المال كما الأمال،فكم أثبت وبقدرة الرب المعين وبصحبة الضمير الثمين، أنّه الوكيل الأمين والإنسان الرصين.
ماذا أقول لَكِ بعد يا فتري :
ماذا أقول عن نظير الذي طالما كان مع أهله ورفاقه يلبّون كلّ دعواتنا في حصارات،ليثبتون أنّهم أهلًا للوفاء.وهكذا على حين غفلة رحل، ووقاحة الجائحة الجامحة إقتحمت هذا البيت وسلبت أغلى ما فيه ومن فيه.
فأنتِ أيّتها الضّيعة الصديقة، بعد نظير،لست كما معه أو قبله!!! نعم لأنّك ستشعرين بالنقصان بغياب المفتاح المذهّب وأبو الهمّات “نظير الضيعة كلّا”. أيّها الصديق الرّاحل:
رئيسًا لفرع جامعة بني ضوّ في فتري كنت،وإنك لمُستحقّ،يا من كنت جامعًا للعائلة وفي العائلة، وداعيًا ومرجعا دائمًا للوئام وللإلتقاء .
يا من زرعت الأمان في كلّ الأرجاء،ورسمت على دروب أيّامك ونسجت من رواية حياتك، لوحة من الصفاء وألوانًا من النقاء.
يا من حفرت على عتبة بيتك معاني الكرم والسخاء وأضحى ذلك البيت ملتقى الأصدقاء وخاصّة في كلّ يوم ثلاثاء. فلزوجتك ولإبنك ولإبنتك ولعائلة الشقيق وللشقيقتين وللأهل والأقارب ولفتري العزيزة أسمى أيات العزاء، ولنا من بعده طول البقاء. غانم إسطفان عاصي في ٢٧/نيسان/٢٠٢١

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد