شكّل لقاء بكركي الذي انحصر بموضوع النازحين السوريين علامة فارقة، نظراً لدلالة المكان، أي الصرح البطريركي، وذلك بحضور الوزراء المعنيين، ومن كل الطوائف، ما يعطيه نكهة وطنية خالصة الأمر الذي بدوره يُعتبر منطلقاً لكي تؤدي بكركي الدور الوطني الجامع في ظلّ ما يحيط بلبنان من أزمات متراكمة، ولعل موضوع النازحين يكون المنطلق الأساسي لهذا اللقاء.
أما ماذا عن لقاء بكركي والخطوات اللاحقة حول موضوع النازحين خصوصاً ما يحكى عن لقاء آخر لمنظمات دولية وغربية وربما أكثر من ذلك، على اعتبار أن لبنان ليس باستطاعته أن يواجه وحيداً “قنبلة النازحين”؟ فيُنقل أن البطريرك الراعي كان مرتاحاً للقاء الذي جمعه قبل أيام مع المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري، والاهتمام الذي يوليه الأخير بمسألة النازحين والدور الذي يضطلع به، أكان على صعيد العودة الطوعية، أم ضبط الحدود ووقف التهريب، وخصوصاً أنه سيشارك في مؤتمر بروكسل الذي يعوّل عليه، وقد يكون الاجتماع الأبرز في ظل الورقة اللبنانية المتكاملة حول موضوع النازحين.
ويقول رئيس “تجمّع موارنة من أجل لبنان” بول كنعان، إنّ هناك حراكاً بارزاً لبكركي التي تحمل هموم الوطن برمّته، والمسألة ليست محصورة بالموارنة والمسيحيين بل على المستوى الوطني العام، في ظلّ ما يحيط بالبلد من أزمات وتحديداً النازحين، ولا يستبعد كنعان وفق معطياته ومعلوماته، أن يكون ثمة تحرك باتجاه الأمم المتحدة والمفوضية الأوروبية ومجلس العموم البريطاني وسائر المنظمات الدولية ومنظمة اللاجئين الدوليين، ما يعني أن ثمة مواكبة ومتابعة من سيد بكركي لهذه القضية التي لم تعد تحتمل المماطلة والتسويف، وتُعدّ العنوان الأبرز في هذه المرحلة لما تنطوي عليه من مخاطر تطاول جميع اللبنانيين.
ويخلص كنعان مؤكداً أن هذه الحركة الداخلية لبكركي ستقابلها حركة دولية مع الكونغرس الأميركي وكل المعنيّين كما أشرت، فهناك لوبي لبناني في الداخل والخارج، سيكون له تأثير واسع النطاق كي لا نخسر البلد، ونصل إلى مكان لم يعد فيه مجال للندم، وعلى هذه الخلفية سنشهد في الأيام المقبلة أكثر من لقاء وتواصل بين الصرح البطريركي ومسؤولين في الداخل والخارج، بمعنى أوضح، البطريرك الراعي لن يسكت ولن يستكين قبل الوصول إلى النتائج المتوخاة، ووضع الجميع أمام مسؤولياتهم في اللقاء الذي حصل والذي كان إيجابياً، نظراً للتمثيل الواسع الوطني الجامع، ويبنى عليه مستقبلاً حول كل الملفات المتراكمة في البلد، وبالتالي هذه المسألة ليست عنصرية، بل هي من باب إنساني واضح، ولا يجوز أن تفسَّر في أي إطار آخر، لكن علينا أن نحافظ على مصلحة اللبنانيين والبلد قبل أن نخسره كما كانت الحال في محطات سابقة. وعلى هذه الخلفية، فإنه يعوّل على ما يقوم به البطريرك الراعي في مرحلة تُعدّ مفصلية على كل الصعد ويجب أن يعود النازحون إلى ديارهم، وهذا ما ستكون عليه الخطوات المقبلة من خلال التواصل بين بكركي وكل القيادات المعنية في لبنان وصولاً إلى الخارج لإسماع الصوت لكل حكومات العالم، بأن لبنان ليس قادراً على استيعاب هذا الكم من النازحين.
مصدر روحي مقرّب من الصرح البطريركي، وعلى بيّنة من الاتصالات الجارية حول موضوع النازحين، يؤكد لـــ”النهار”، أن الأمور تتجه للتواصل بين البطريرك الراعي وسفراء الدول الكبرى، والبعثات الديبلوماسية، كاشفاً أن هناك تنسيقاً مع الفاتيكان في هذا الصدد، لا بل ثمّة مذكرات أرسلتها بكركي إلى حاضرة الفاتيكان، تضعها في كل ما يتصل بموضوع النازحين، ولهذه الغاية لا يستبعد أن يكون هناك لقاء آخر على مستوى البعثات الدولية، والجهات المسؤولة في المجتمع الدولي.
أخيراً، تُبدي جهة محايدة قلقها من لقاء بكركي، وتقول صحيح أن وزير الداخلية كان حاضراً لكن بصفة حكومية، وبالتالي، يجب أن يكون هناك تبنٍّ وتوافق بين الجهتين الروحيتين المسيحية والإسلامية، لإعطاء اللقاء البعد الوطني الجامع، كي لا يخرج أحد من أي منطقة، ويقول غداً إن لقاء بكركي كان عنصرياً، وإن النازحين سيبقون في لبنان، لأن ثمة حالة انقسام سياسي واضحة المعالم، وبمعنى أوضح، التواصل مع الجهات الدولية والمنظمات مسؤولية الدولة والحكومة التي عليها أن تحافظ على سيادة البلد وتقوم بالاتصالات المطلوبة.
وجدي العريضي – “النهار”