لا خوف في قضاء البترون من «رشوة» المليار يورو الأوروبية، بل ثمة توجّه على صعيد القيادة السياسية والأفراد لمعالجة فوضى النزوح السوري هو الأول من نوعه على الأرض. ونجحت الفاعليات في إبعاد هذا الملف عن التجاذبات السياسية. ويلاقي القضاء الذي يربط جبل لبنان بالشمال كل الدعوات لتصفير النزوح، خصوصاً إجتماع بكركي الذي عُقد أمس برئاسة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي.
ساهمت إنتفاضة أهالي بعض البلدات البترونية والقرارات الحاسمة التي اتّخذها محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا في تخفيف الفلتان. وفي المحصّلة، تمكّنت بساتين العصي من ضبط النزوح بعد مغادرة نحو 45 عائلة سورية البلدة (العائلة السورية تتراوح بين 7 أشخاص وتصل إلى 50 شخصاً إذا شملت الأحفاد). وغادرت بلدة كفيفان حسب أرقام جهاز أمن الدولة 34 عائلة على وقع الفيديوات التي نشرها النازحون والتي تشتم الأهالي والمقدّسات، أما بلدة كوبّا فقد أنهى أمس أمن الدولة المسح الميداني ويستعدّ في الساعات المقبلة لتبليغ العائلات غير الشرعية بالمغادرة.
حسب إحصاءات الأجهزة، يقطن قضاء البترون نحو 35 ألف نازح. ويطمح الذين يتابعون مسألة النزوح إلى تطبيق نموذج بساتين العصي في كل قضاء البترون والوصول إلى «صفر نزوح»، لذلك سينظّم مؤتمر عام يوم غد السبت في مجمّع سان ستيفانو- البترون لمتابعة الملف.
عوامل عدّة ساهمت في تقدّم معالجة النزوح في البترون على بقية الأقضية، العامل الأول هو الضغط الإعلامي والشعبي الذي انطلق من بلدة بساتين العصي وحقق النتائج المرجوة. والعامل الثاني يتمثّل بتقدير الأهالي للأخطار الوجودية على رغم طمع بعض المستفيدين. أما العامل الثالث فتمثّل بإبعاد هذا الملف عن التجاذبات السياسية، بفضل تناغم على الأرض بين «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحرّ» وعدم معارضة أي طرف بتروني ما يحصل.
وكان رئيس بلدية إده البترونية المحامي نجم خطّار أول رئيس بلدية يتجرّأ على كسر المحرّمات وإبعاد هذا الملف عن السياسة وتأمين توافق قواتي- عوني، ولو على صعيد بلدته. وبعد نجاح تجربة إده التي اعتمدت على عدم السماح لأي سوري لا يملك إقامة شرعية وليس لديه كفيل بالسكن ضمن نطاق البلدة، ورفع القيمة التأجيرية، لم تنسحب هذه التجربة على بقية البلدات البترونية بسبب تراخي أو خوف بعض رؤساء البلديات. وبعد تحديد موعد المؤتمر الذي كان يسعى إليه رئيس بلدية إده، ساهم خطّار بشكل كبير في صياغة التوصيات التي ستصدر مراعيةً الخطر الوجودي والقوانين اللبنانية.
وعند نجاح التجربة في بساتين العصي وامتدادها إلى كفيفان وكوبّا وحصول جريمة إغتيال منسق «القوات اللبنانية» في جبيل باسكال سليمان، كانت دعوة النائب غياث يزبك إلى اجتماع عام لبلديات البترون حصل الأسبوع الماضي، ولاقى «التيار الوطني الحرّ» وبقية المكوّنات البترونية هذه الدعوة، وتشكّلت لجنة للتحضير للمؤتمر العام الذي سيجمع رؤساء بلديات وأعضاء المجالس البلدية ومخاتير قضاء البترون. كما وجهت الدعوة إلى نائبَي البترون جبران باسيل وغياث يزبك وستكون لهما كلمتان في المؤتمر، وهذه الإطلالة الأولى لهما معاً في حدث بتروني، إضافةً إلى كلمة رئيس إتحاد بلديات البترون مارسيلينو الحرك، ووجهت الدعوة أيضاً إلى محافظ الشمال وقائمقام البترون روجيه طوبيا وقادة الأجهزة الأمنية.
يطمح المؤتمر بتوصياته ليس فقط إلى معالجة النزوح في البترون، بل إلى رسم خريطة طريق لكيفية تعامل بقية الأقضية مع هذا الفلتان، وستصدر عنه قرارات صارمة تسهم في ضبط النزوح وتطبيق القوانين وتعاميم وزير الداخلية، خصوصاً في ما يتعلّق بشرعية عمل السوري، وتأتي أهمية المؤتمر بأنه أمّن الغطاء السياسي لعمل البلديات والمخاتير، وسيكون شاملاً كل قضاء البترون.
يأمل القيّمون على المؤتمر بوصول القضاء في مرحلة قريبة إلى «صفر نزوح»، وهناك قرار سياسي واضح بالقضاء على العشوائية في انتشار السوريين، في حين سيبدأ العمل بعد صدور التوصيات، خصوصاً أنّ بعض رؤساء البلديات سيحاول التملّص من القرارات، وبالتالي المسيرة ستكون صعبة، والمتابعة هي الأساس.
ألان سركيس – “نداء الوطن”