تأمل مصادر سياسية لبنانية بارزة ألا يدخل لبنان في مرحلة سياسية وأمنية جديدة غير تلك التي كانت قائمة قبل مبادرة طهران للرد على إسرائيل بعد استهدافها القنصلية الإيرانية في دمشق، وهي تراهن على الدور الذي لعبته الولايات المتحدة الأميركية في ضبطها إيقاع الرد الإيراني؛ لتفويت الفرصة على رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لئلا يجنح نحو توسعة الحرب في الجنوب، والتعاطي معه على أنه «فشة خلق» لتصفية حساباته مع «حزب الله»، كونه أحد أبرز وكلاء طهران في المنطقة، وبادر لإسنادها، بالتلازم مع قيامها بالثأر من تل أبيب، والذي بقي تحت السيطرة.
ورغم أن إسرائيل عمدت إلى توسعة المواجهة العسكرية مع «حزب الله» بقصفها منطقة المزارع الواقعة على تخوم بلدة النبي شيت البقاعية، مستهدفةً بيتاً مهجوراً، فإن توسعتها، كما تقول مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط»، بقيت تحت سقف توجيه رسالة إلى «حزب الله»، من دون أن يترتب عليها تصعيد المواجهة بينهما، مع أن الحزب، في إسناده لطهران، بادر إلى إطلاق رزمة من الصواريخ باتجاه هضبة الجولان المحتلة، وهذا ما يدعو القوى السياسية على اختلافها للارتياح لدور الولايات المتحدة في لجم إسرائيل، ومنعها من الرد على إيران، لا سيما أن الرئيس جو بايدن كان واضحاً في رسالته لنتنياهو، بوقوفه إلى جانبه في الدفاع عن إسرائيل، حاجباً عنه الضوء الأخضر للرد على إيران.
رهان على «شبكة أمان» أميركية
وتراهن المصادر نفسها على التزام الإدارة الأميركية بالضغط على إسرائيل لكبح جماحها، ومنعها من توسعة الحرب لتشمل الجبهة الجنوبية، وتأمل أن توفّر شبكة الأمان الأميركية للبنان الحماية السياسية المطلوبة لقطع الطريق على إقحامه في مواجهة مفتوحة يصعب على الحكومة السيطرة عليها، مع أنها ضامنة موقف «حزب الله» بعدم مبادرته إلى توسعتها.
لكن، يبقى السؤال حول مدى قدرة الرئيس ميقاتي على جمع أطياف حكومته في جلسة لمجلس الوزراء كاملة الأوصاف، يُفترض، ما لم يطرأ أي تعديل، أن تُعقد صباح الاثنين، وما إذا كان سيحضرها الوزراء المحسوبون على «التيار الوطني الحر»، الذين يفضّلون الاستعاضة عن انعقادها بدعوتهم للقاء وزاري تشاوري يُخصص لتقويم الوضع، وتبادل الرأي في تجنيب لبنان الانجرار إلى توسعة الحرب بعد وقوعه في الفخ الذي ينصبه نتنياهو لاستدراجه، إضافة إلى توحيد الرؤية مع انعقاد اجتماع دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل للبحث في ملف النازحين السوريين إلى لبنان.
تفاؤل ميقاتي هل هو في محله؟
فالرئيس ميقاتي لا يخفي تفاؤله بتعديل الموقف الأوروبي لجهة موافقته على تحديد المناطق الآمنة في سوريا، التي يمكن أن تستقبل الألوف من النازحين السوريين، لتخفيف الأعباء المترتبة على لبنان جراء استقباله هذا العدد من النازحين، والذي يشكل نصف عدد اللبنانيين المقيمين.
وفي هذا السياق، يسأل عدد من الوزراء ما إذا كان تفاؤل ميقاتي في محله، ولديه من الضمانات التي يمكنه التأسيس عليها لإقناع دول الاتحاد الأوروبي بتعديل موقفهم من النظام السوري بما يسمح بالعودة الطوعية والآمنة للنازحين، وعدم تعريضهم للملاحقة والاضطهاد والسجن. كما يسأل هؤلاء ما إذا كان ميقاتي يتطلع من خلال تفاؤله إلى تنفيس الاحتقان، وخفض منسوب التوتر في الشارع المسيحي الذي بلغ ذروته مع الجريمة التي أودت بحياة منسق حزب «القوات اللبنانية» في جبيل باسكال سليمان، وصولاً إلى تطبيع علاقته بالبطريرك الماروني بشارة الراعي.
ويرى عدد من الوزراء أن موافقة الاتحاد الأوروبي على تحديده مناطق آمنة تخضع لسيطرة النظام السوري لاستقبال النازحين السوريين تعني أنه قرر أن يعيد النظر في علاقته بالرئيس بشار الأسد لجهة موافقته على مشروعيته بمنحه شهادة حسن سلوك، بخلاف معارضته الشديدة إياه، ويسألون ما إذا كان ميقاتي قد نجح في تأمين الغطاء السياسي الأوروبي لإعادتهم.
لقاء ماكرون
ويكشف هؤلاء لـ«الشرق الأوسط» أن ميقاتي يتحضّر للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة، ويقولون إنه يراهن على كسب تأييدهما لمسعاه في تحديد عدد من المناطق الآمنة للبدء في تنظيم عودة النازحين إلى الداخل السوري.
ويؤكد الوزراء أن لقاء ميقاتي برئيس المفوضية العليا للاجئين يأتي لتصويب العلاقة بين الحكومة وممثليها في لبنان الذين يصرون على حجب «الداتا» الخاصة بتعداد النازحين عن مديرية المخابرات في الجيش وشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، وهذا ما اشترطوه على المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري عندما وافقوا على إيداعه «الداتا» التي تخلو من ذكر التواريخ الخاصة بدخول النازحين إلى لبنان.
ويضيف هؤلاء أن هناك ضرورة لتعميم «الداتا» على سائر الأجهزة الأمنية، وعدم حصرها بالأمن العام، ويؤكدون أن هناك ضرورة لتصويب التعاون مع مفوضية اللاجئين، وتنقيتها من الشوائب التي تشوبها.
تفاؤل ميقاتي
وفي هذا السياق، يتوقف الوزراء أمام السؤال عن مدى تجاوب النظام السوري مع خريطة الطريق التي تَوَافَقَ عليها ميقاتي مع الرئيس القبرصي في زيارته الأخيرة للبنان. وهل يكفي التوجه للاتحاد الأوروبي لانتزاع موافقته على تحديد الأماكن الآمنة لعودة النازحين من دون التواصل مع القيادة السورية لوضع النقاط على الحروف، بخلاف الزيارات «الإعلامية» التي سبق لعدد من الوزراء أن قاموا بها إلى دمشق، والتي لم تلامس عودة النازحين كما يجب لجهة التوافق على جدول زمني لإعادتهم؟
لذلك فإن تفاؤل ميقاتي بإعادة النازحين يطرح مجموعة من الأسئلة حول مدى استعداد النظام السوري للتجاوب معه في حال توصل إلى إقناع الاتحاد الأوروبي مستعيناً بالرئيس الفرنسي بوجوب الموافقة على تحديد مناطق آمنة في سوريا تتولى رعايتها المفوضية العليا للاجئين.
فهل يوافق النظام السوري على إصدار عفو يتجاوز أعداد النازحين ممن تخلّفوا عن تأدية الخدمة العسكرية؟ وماذا سيكون الموقف اللبناني، في حال تواصل معه، حيال مطالبته برفع العقوبات المفروضة عليه، وشطب اسمه من قانون قيصر وعدم شموله به كما هو حاصل الآن، واشتراطه بأن يتولى التحالف الدولي إعادة إعمار ما تهدم في سوريا من جراء الحرب بذريعة أنه كان وراء اندلاعها بوقوفه إلى جانب المجموعات الإرهابية؟
وعليه، فإن تفاؤل ميقاتي يبقى عالقاً على مدى تجاوب الاتحاد الأوروبي، ومدى استعداد النظام السوري لاستقبال النازحين في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر فيها بالتوازي مع التدمير الذي لحق بعدد من المدن والبلدات السورية من جراء الحرب!
المصدر – الشرق الأوسط