سجّل رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية نقطة سوداء في علاقته بالبطريركية المارونية. ولم تهضم بكركي مقاطعة «المردة» اجتماعات الصرح على رغم محاولة راعي أبرشية أنطلياس المارونية المطران أنطوان بو نجم المتلاحقة التواصل مع فرنجية.
وفي انتظار ما ستحمله عطلة الأعياد، فإنّ إصرار بكركي واضح باستكمال ما بدأته من محاولة للتوصّل إلى ورقة مسيحية وطنية موحّدة حتى في غياب «المردة».
أفقدت الإنتخابات النيابية الأخيرة «تيار المردة» حجمه التمثيلي، وبقيت القيمة المعنوية لزعامة آل فرنجية وشخص سليمان فرنجية، وعمل «حزب الله» وحركة «أمل» على إعادته إلى المشهد البرلماني بكتلة «مصطنعة»، ومن ثمّ تبنّي ترشيحه لرئاسة الجمهورية. وعلى رغم أنّ «الثنائي الشيعي» هو الأقوى والحاكم، فهذا لم يمنح فرنجية «باسبور» عبور إلى قصر بعبدا بسبب الرفض المسيحي له.
إنّ مقاطعة «تيار المردة» اجتماعات بكركي يقضي على ما تبقّى من رصيد فرنجية على الساحة المسيحية، والناظر إلى تاريخ العلاقة الحديثة بين فرنجية وبكركي يكتشف مرورها «بطلعات ونزلات» كثيرة، لكنها لم تصل إلى حدّ القطيعة.
وبقي الإحترام سيّد الموقف حتى في فترة الإحتلال السوري، وكان فرنجية «الإبن المدلل» للنظام، وكان البطريرك مار نصرالله بطرس صفير رأس حربة مقاومة هذا الإحتلال، وبقي فرنجية يزور بكركي ويقف على خاطر البطريرك. وحتى بعد الاهانات الشخصية التي وُجّهت الى صفير عام 2005 على وقْع هتافات «إنت البطرك يا سليمان»، بقيت أبواب بكركي مفتوحة أمام فرنجية طوال ولاية صفير.
وبنى فرنجية علاقة جيدة مع الراعي وشارك «المرده» في لجان بكركي، التي أدخلت فرنجية ضمن لائحة الزعماء الأربعة الذين حصرت الترشيحات لرئاسة الجمهورية بهم في سابقة تخرج لأول مرّة من الصرح البطريركي مع وعد من هؤلاء بعدم مقاطعة جلسات الانتخاب، لكن فرنجية نكث بوعده وقاطعها مع العماد ميشال عون.
ارتفعت الآمال لفرنجية باحتمال إنتخابه رئيساً بعد نيله تأييد الرئيس سعد الحريري في خريف 2015، وباركت بكركي هذا الأمر، لكن التفاهم المسيحي بين «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحرّ» نسف الإتفاق، وكذلك حاز «اتفاق معراب» الذي قضى بترشيح عون على رضى بكركي ما فرض بعض التباعد بين بنشعي وبكركي.
حاول البطريرك الراعي إجراء مصالحة بين فرنجية وعون، ولم يصل إلى نتيجة وبقي الخلاف مشتعلاً، وعلى رغم كل ما مرّت به العلاقة، ففرنجية لم يقاطع بكركي.
ما يحصل في الآونة الأخيرة شكّل ضربة لفرنجية، فالبطريركية المارونية ماضية في وثيقتها التي هي قيد الإعداد، ولم يؤثّر غياب «المرده» عن الاجتماعات، ما يدلّ على الحجم الحقيقي والتأثير الفعلي للتيار الزغرتاوي.
ولم تقنع التبريرات التي ساقها «المرده» أنه لا يقاطع بكركي، بل يقاطع «التيار الوطني الحرّ»، الرأي العام المسيحي. فالورقة كتبها البطريرك الراعي، وليس الرئيس عون أو النائب جبران باسيل، ومكان النقاش هو بكركي وليس الرابية، وبالتالي كل تلك الأعذار والمبرّرات سقطت، خصوصاً أنّ علاقة «المردة» ببقية الأطراف جيدة. لا تنفي الكنيسة العتب على فرنجية بعد هذه المقاطعة، وتسأل: لو دعا الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله فرنجية للّقاء مع عون وباسيل أكان رفضه؟ فاللقاء في هذا الظرف يُساعد على ردم الهوة، وكل إجتماع فيه خير، وهذا ما تحاول الكنيسة فعله.
وتبقى الأنظار موجّهة إلى بكركي خلال فترة العيد، وما إذا كان فرنجية سيتوجه إلى الصرح لتهنئة البطريرك أو سيستمرّ في المقاطعة ليثبت أنّ السبب ليس «التيار» وحده، بل عدم رغبته في الاجتماع بالأفرقاء المسيحيين وتفادي الإحراج، فمن جهة لا يمكنه إغضاب «حزب الله» بالموافقة على بند حصر السلاح في يد الدولة، ومن جهة ثانية، هو غير قادر على المواجهة وحده وإظهار نفسه المدافع عن سلاح «حزب الله»، خلافاً لرأي المسيحيين المُجمعين على خطر هذا السلاح.
ألان سركيس – “نداء الوطن”