أدرك اليهود المستوطنون الأوائل الذين اغتصبوا فلسطين بنهاية القرن التاسع عشر سريعا أن هذه الأرض ليست مضربا من شُعب الربع الخالي بشبه الجزيرة العربية وإنما بلاد مأهولة وبكثافة من عرق أصيل متجذر بأرضه وثقافته لن يسهل اقتلاعه. نجح رواد الحركة الصهيونية من ترجمة معادلة أرض بلا شعب، إلى شعب بلا أرض وقاموا بإفراغ الأرض من سكانها الأصليين بدعم جلي من الامبراطورية البريطانية واستبدلوا تلك الجغرافيا بشعب يهودي مستجلب من أصقاع المعمورة ترغيبا وترهيبا لغرض تحقيق الرؤى التوراتية فكان إعلان قيام دولة الكيان عام ٤٨ ارضاءً لسردية أن فلسطين هي أرض الميعاد لبني أسرائيل.
يجب التذكير بأن الشعوب العربية تعرضّت لخديعة قيام دولة فلسطينية على مدار عقود مديدة من الزمن، فالضخ الإعلامي وعملية التضليل المنهجي وشعار التسوية والمفاوضات من أوسلو إلى مبادرة الملك عبد الله في قمة بيروت العربية، نسفت قابلية الحياة لهذا الحلم الموعود الذي راود الكثير من شعوب العالم الحر فأنكشف التآمر الأميركي من جهة وبأن بشاعة المشهد التدميري لآلة الحرب الصهيونية بإبادة جماعية لشعب غزة وتهجيرهم نحو مصر وسيناء والتحضير لمعركة رفح حيث الفصل الأخير من مخطط إقتلاع شعب بإكمله من موطنه.
كيف تقوم دولة فلسطينية و١ بالمئة من الاسرائيليين يقبلون توقف إطلاق النار بغزة بعد اكثر من ١٠٠ ألف بين شهيد وجريح ليبقى رأي اكثر من ثلثي تعداد سكان الكيان يرون أن العنف ضد الفلسطينيين في الضفة والقطاع والقدس الشرقية غير كافٍ ناهيك عن طمس حق العودة الركيزة الأساس لتأسيس مشروع الدولة.
سيظل الكفاح المسلح خياراً وحيداً وممراً إجبارياً لشعب فلسطين وواجب التصدي لممارسات الهيمنة وطمس الهوية الوطنية، فإن المقاومة يجب أن لا تكون تكتيكاً أو خياراً من خيارات متعددة للوصول إلى الأهداف المنشودة بل طريقاً إستراتيجياً، فشعب فلسطين يقدم التضحيات ويلتفّ حول مقاومته بشجاعة وصلابة ويتحمل المظلومية فلا حاضنة عربية أو اممية له، فالخلاص الوحيد سواعد فتيانه بساحات النزال.
فادي حيدر-كاتب سياسي.