ساد إعتقاد الكثير من المراقبين في الآونة الأخيرة في فترة ما قبل عملية طوفان الأقصى، أن الصين تتحضر بزخم لدخول بوابة الحضور العسكري والأمني إلى منطقتنا ، من حديقة تفوقها الإقتصادي المذهل كونها قوة اقتصادية عظيمة مهيأة أن ترتقي إلى مصاف مواجهة الآحادية الأميركية على مستوى العالم بأكمله.
صحيح أن الصين نجحت بسحب فتيل الحرب المستعرة بين مذاهب أهل السنة والشيعة من باب المندب إلى ضاحية بيروت الجنوبية. أقصد هنا الإتفاق السعودي- الإيراني ، لكنها عجزت عن الغوص عميقا لحلحلة أزمات شعوب المنطقة من خلال صياغة رؤية واضحة ترتكز على دعائم اقتصادية صلبة تؤسس لإنفلاش سياسي- ثقافي يسلط الضوء على قدرة الصين في مساعدة وطمأنة الحلفاء والأصدقاء بشتى المجالات ممن يحررهم من الخضوع لتوحش واشنطن ونزقها.
أما عن الغياب الروسي المستهجن عن مجريات الأحداث، بات مؤكدا أن بوتين إستطاع أن يقزّم الدور التاريخي المؤثر للكرملين بلحظات مصيرية كالتي نشهدها الآن ، وأن يصبّ جام إهتمامه لقضم كيلومترات ضحلة من الجغرافيا الأوكرانية محاصرا مدنا وبلدات للظفر بإنتصار وضيع يعيده وجيشه المنهك والمثخن بنار الجبهات إلى طاولة مفاوضات بشروط افضل.
بالرغم من حذاقة المقاومة وبسالة أدائها بميدان الوغى ، إستطاع الراعي الحقيقي للحرب أي الاميركي من إستهداف قيادات وازنة من الكوادر العسكرية لدول محور المقاومة من ضفاف دجلة والفرات حتى جنوب الليطاني ، حيث توضّح غياب السند إلاستراتيجي لحركات المقاومة التي راهنت ردحا من الزمن على صدقيته ودعمه ومؤازرته حتى بالمحافل الدولية كان حضوره خجولا لم يتخطى رتابة بيانات إلادانة وإلاستنكار.
قد تكون شعوبنا نضجت لتصبح أكثر جرأة بمواجهة مشروع هيمنة واشنطن وخبث ما يرسم لبلادنا من مؤامرت التقسيم والشرذمة ، لكن لا مناص من الإعتراف بأن أميركا ما برحت متربعة عرش قيادة العالم وضبط نزاعاته وتحريف قواعد النظام الدولي وتعطيل عدالته على الأقل لعقد من قادم الأيام بإنتظار أن يستفيق دبُ من هنا أو تنيناً من هناك.
فادي حيدر-كاتب سياسي.