في الانطباعات التي تكونت لدى لبنان عن زيارة الموفد الأميركي آموس هوكستين، أنّ أميركا أخفقت في إجبار إسرائيل على التزام تنفيذ القرار 1701 والانسحاب من الأراضي التي تحتلها في الجنوب اللبناني، فقدّم صيغة حل «وسط»، وفق توصيفه، مع إدراكه المسبق أنّ «حزب الله» لن يلتزمها، وكذلك الدولة اللبنانية. اقتراح هوكستين انسحاب «حزب الله» إلى ما بعد شمال الليطاني كي يعمّ الهدوء على الجبهة الشمالية الإسرائيلية لتأمين عودة سكان المستوطنات مقابل مساعدات سخيّة للجيش اللبناني تمكّنه من الوجود على الحدود ليتسلم المسؤولية عن المناطق التي تتواجد فيها قوات «الرضوان» بعد انسحابها. واعتبر أنّ تطبيق هذا الشرط سيكون مقدمة للإتفاق لاحقاً على الانسحاب من مناطق محدّدة من الجنوب وليس كلها، أمّا عن تطبيق القرار 1701 فلم يجزم الموفد الأميركي بأنّ إسرائيل ستلتزم تطبيقه.
بالتزامن مع زيارة هوكستين، كان وزير الخارجية في حكومة الظل البريطانية المعارضة دايفيد لامي يستوضح المسؤولين اللبنانيين عما يحصل على جبهة الجنوب، عاكساً قلقاً بالغاً من توسّع رقعة الحرب الإسرائيلية على لبنان. وباللغة ذاتها تحدث سفير ألمانيا الذي أبلغ الخارجية اللبنانية أنّ بلاده ليست في صدد الانتشار على الحدود في الجنوب اللبناني، خلافاً لما يشاع، وهو ما أكدته الخارجية الألمانية التي نفت وجود أي مسعى أو عرض من هذا النوع. كما نفت مصادر لبنانية رسمية أن تكون الوزيرة نقلت تهديداً بالحرب، بل هي كما باقي ممثلي الدول الغربية عبّرت عن قلق بالغ من تدهور الوضع. قلق مرتبط بأمن اسرائيل قبل أمن لبنان الذي لا قدرة له على تحمّل تبعات أي حرب إسرائيلية على حدّ تعبير الديبلوماسية الغربية.
فخلال الساعات الماضية تلقى لبنان نصيحة ليست الأولى من نوعها، للإنفصال عن جبهة غزة والضغط على «حزب الله» لتحقيق ذلك. لا يحمل أي من الديبلوماسيين مبادرة، وجميعهم يستفسرون عن أمور تتعلق بوضعية «حزب الله» وقدراته. وكان اللافت درجة إلمام أحد الديبلوماسيين من مرافقي هوكستين بقدرات «حماس» وبالأنفاق الموجودة في عمق 8 أمتار تحت الأرض، والتي هي عبارة عن «اوتوسترادات»، كما قال، سائلاً محدّثه: إذا كانت هذه هي قوة «حماس» فكيف ستكون حال «حزب الله»؟
كلها زيارات استفسار واستطلاع أجواء، واللافت فيها أنّ كلاً منهم يعطي كل مقام مقال. فكلام السراي مختلف عن اللغة التي تسود في عين التينة، فمن المقر الثاني يحاول الديبلوماسيون وأبرزهم هوكستين تلمّس أجواء «حزب الله».
وحده المندوب الأميركي عاد بقلب قوي حاملاً اقتراح حل من وجهة نظر اسرائيل، فكان لما حمله وقع الصدمة على لبنان الذي أمل أن تحمل زيارته الثالثة أجوبة عن أسئلته حول استعداد اسرائيل التزام الانسحاب من المناطق التي تحتلها ووقف خروقها البرية والجوية فوق لبنان. أودع رئيسي مجلس النواب والحكومة اقتراحاته «الإسرائيلية» على أمل تسلّم الردّ عما قريب.
قبيل مغادرته استفسر الديبلوماسي المرافق لهوكستين من مصدر سياسي رسمي اذا كان يتوقع أن يوافق لبنان على ما حمله هوكستين، فكان جوابه بالنفي، لأنّ ما حمله مجرد اقتراحات إسرائيلية لا يمكن لـ»حزب الله» قبولها. ذلك أنّ أي حل يحتاج الى صفقة شاملة لا تزال إسرائيل ترفض الانصياع لشروطها، كما ترفض ترسيم الحدود. غير أنّ قبول صيغة كهذه يعني انكسار «حزب الله» وهزيمة لن يسلّم بها، فـ»حزب الله» الذي يعتبر أنّه ومحوره متقدم على اسرائيل بالحرب بدليل الضغط الدولي لضمان أمنها، يرفض بالمطلق الشروع في أي صفقة بينما نيران الحرب ملتهبة في غزة.
يبدو جلياً من فحوى ما يقوله الديبلوماسيون من ممثلي دول الغرب، أنّ ساحة الجنوب باتت تشكل عبئاً، وأنّ المطلوب إعادة المستوطنين إلى ديارهم، لأنّ بقاءهم حيث هم يكلّف إسرائيل أعباء مالية لم تعد قادرة على تحمّلها طويلاً، حيث يقيمون في فنادق وداخل شقق مفروشة تسدّد الدولة تكاليفها. ولكن الأجواء التي عكسها الموفد الأميركي الزائر، تشي بأنه لا أفق لحل قريب في غزة. المشكلة أنه لا طرف يمكن التفاوض معه، وبينما ترغب أميركا في تشكيل حكومة فلسطينية جديدة مع ابقاء «أبو مازن» في موقعه، فإنّ مصر والأردن ترفضان ذلك، وهذا الموضوع كان سبباً للاجتماع المشترك بين البلدين قبل يومين.
وضع هوكستين اقتراحاته في عهدة الحكومة ورئيس المجلس، قاصداً أن يكون النقاش في شأنها لبنانياً داخلياً لزيادة الشرخ حول ساحة الحرب التي يقودها «حزب الله» في الجنوب، وهو المدرك أنّ إسرئيل غير جاهزة لالتزام أي اقتراحات بعد، لكن يبقى أنّ كل ما قاله في شأن زيارته لم يكن إلا جزءاً يسيراً، بينما بقي الأساس حبيس الكواليس بتفاصيله.
المصدر – نداء الوطن