ما يُرفع من تصوّرات حول تطورات الوضع في المنطقة، يركن إلى معادلة من اثنتين. الأولى، هي تلك التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث التعايش قائم ومستمر مع بين الحروب و”الطموحات” للوصول إلى حلّ لأزمة الشرق الأوسط، والتي كانت سرعان ما تستفحل وتعنف. أما الثانية، فهي المعادلة الجديدة التي يتم التداول بها على مستوى إقليمي ودولي، وتشكل أحد عناصر التفاوض الجديد: إما تسوية كبرى ينجم عنها اتفاقات تتصل بمختلف الملفات، وإما الحرب الكبرى.
مصطلح الحرب الكبرى استخدمه الإيرانيون وحلفاؤهم علناً وفي المفاوضات. فعلى الصعيد العلني، كان أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله قد قال سابقاً، وفي أول خطاب له بعد عملية طوفان الأقصى، بأن المعركة هي للمراكمة بالنقاط، ولم يحن بعد موعد الحرب الكبرى، وما يجري هو تحضير لها. أما على صعيد قنوات التفاوض، فتؤكد مصادر أن إيران استخدمت مصطلح الحرب الكبرى في حال عدم الوصول إلى تسوية أو اتفاق. والمقصود بالحرب الكبرى هي معركة توحيد الجبهات والدخول في مواجهة واسعة ضد اسرائيل والمصالح الأميركية في المنطقة.
وتضيف المصادر إن المنطقة ستكون على مشارف إما تسوية كبرى يتم الوصول إليها في الفترة المقبلة أو حرب كبرى بعد سنة أو أكثر، على أن تستمر حرب الاستنزاف القائمة في غزة، لبنان، سوريا، العراق واليمن من الآن إلى حينها. أما المطروح في سياقات التفاوض على التسوية الكبرى، فهو كل ما يرتبط بالنفوذ الإيراني، والاعتراف به أميركياً ودولياً في المنطقة، من العراق إلى سوريا، فلبنان وفلسطين واليمن.
على أن يتم ذلك بموازاة السعي لمعالجة الوضع الفلسطيني، وكيفية حل القضية وتركيب هذا الحلّ، وإعادة تشكيل السلطة الفلسطينية وموقع حركتي حماس والجهاد الإسلامي فيها، ومنح الفلسطينيين لحقوقهم. بالإضافة إلى معالجة وضع سوريا والعراق والوجود الأميركي فيهما. أما لبنان فسيكون ضمناً وملحقاً.
والمستجد بعد عملية طوفان الأقصى هو الوضع في اليمن، والذي يسير وفق مسارين، مسار التفاوض الحوثي-السعودي الذي لم يتعطل بفعل كل التطورات، وهو يرتبط بالعلاقة الإيرانية السعودية، وسط حرص الطرفين على عدم التصعيد أو تخريب المسار. أما المسار الثاني فهو دخول الحوثيين على خط تعطيل الملاحة في البحر الأحمر، وكيفية ترتيبها ربطاً بوقف إطلاق النار في غزة.
لم تؤثر عمليات الحوثيين على مسار العمليات العسكرية في غزة، لكن تأثيرها كان ذات بعد استراتيجي على الملاحة وعلى حماية النظام الدولي. فيما سارع الأميركيون إلى الإعلان عن إنشاء تحالف لحماية هذه الملاحة في البحر الأحمر. علماً أن تشكيل التحالف قد فشل. هنا لا بد من التذكير أن هناك تحالفاً قائماً منذ العام 2002، وهو التحالف البحري الذي يضم 32 دولة، بما فيها كل دول الخليج لحماية الملاحة في المحيط الهندي والبحر الأحمر، ولكن لم يتم تفعيله من قبل الأميركيين، الذين ذهبوا إلى الإعلان عن تحالف جديد، مع علم مسبق لديهم أن هذا التحالف سيفشل. وهو قد فشل إثر رفض دول خليجية عديدة المشاركة فيه. وحسب مصادر ديبلوماسية، هذا ما سيجعل الأميركيين يستخدمون الفشل للضغط على اسرائيل لتقديم تنازلات وومن ثم القبول بالتسويات المقترحة، ووقف إطلاق نار، ومن بعدها إطلاق المسار السياسي.
مصالح إيران
يأتي فشل التحالف بالتزامن مع إعلان الأميركيين سحب حاملة الطائرات جيرالد فورد من شرق البحر المتوسط، فيما عملت إيران على إرسال مدمرة بحرية إلى البحر الأحمر. وهنا، حسب ما تقول المعلومات، فإن هدف ايران هو منع التصعيد، وتلافي أي ضربة أميركية على الحوثيين. وهي من شأنها في حال حصلت أن تؤدي إلى إشعال جبهات كثيرة.. ما لن يكون في صالح الإيرانيين، ولن يكونوا قادرين على تحمّل تبعاتها.
في حال نجحت التسوية، تريد إيران الحفاظ على مصالحها في المنطقة، وتثبيت نفوذها. أما في دول الخليج، فيستكمل مسار التطبيع على قاعدة الاتفاقات، ولكن بصيغة مختلفة عن ما كانت عليه في السابق، فلا تكون اسرائيل هي الضامن الأمني بعد كل ما حصل، مقابل تكريس الاستقرار الذي تسعى إلى تثبيته هذه الدول.
في هذا السياق، ثمة من يعتبر أنه في حال عدم الوصول إلى تسوية جدية خلال الأشهر الستة المقبلة، فإن خيار الحرب الكبرى سيصبح قائماً وجدياً. وربما ضمن هذا الإطار يأتي كلام المسؤولين الإسرائيليين عن ستة أشهر حرجة.
حتى الآن، وطالما بقي المسار على حاله في المنطقة، فهو يبقى لصالح الإيراني. لذلك تريد طهران تلافي تطور الأوضاع سلباً، لأن ذلك سيؤدي إلى تخريب كل ما عمل الإيرانيون على مراكمته.
المدن – منير الربيع