يحتفل لبنان الإثنين المقبل بعيد الميلاد المجيد. ولن تعيش الأراضي المقدّسة فرحة العيد، حيث تطغى أحداث غزة والاشتباكات المتنقّلة في الضفة الغربية على الأجواء. ويتأثّر لبنان بالحرب الدائرة هناك بعد قرار «حزب الله» مساندة «حماس» وسط تخوّف لبناني من تمدّد الحرب واتّساع رقعتها.
ستبقى كرسي رئيس الجمهورية شاغرة في قدّاس العيد في بكركي صباح الأحد. وكان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يأمل في انتخاب رئيس، لكن استمرار قسم من النواب في التعطيل وإصرار «حزب الله» وحركة «أمل» على مرشحهما، إضافة إلى غياب الضغط الدولي، عوامل ساهمت في إطفاء الأنوار في قصر بعبدا.
وترتفع المخاوف من إطالة أمد الفراغ الرئاسي. فمنصب رئيس الجمهورية هو الموقع الأول للمسيحيين ليس في لبنان، بل في الشرق كلّه. ووسط الحروب والأزمات، تعتبر بكركي تصدّيها لتمدّد الفراغ إلى المواقع المارونية عملاً جيّداً، ويجب تتويجه بانتخاب رئيس في أسرع وقت ممكن، فغياب الرئيس يعني عدم استقرار النظام والدستور.
وتُشدّد البطريركية المارونية على تمسّكها بالدستور اللبناني، ومن أهم البنود ملء الشواغر الدستورية واحترام الميثاقية، لذلك لا يمكن القبول بتغييب دور الرئيس الماروني، فما اتّفق عليه اللبنانيون هو تقاسم المواقع بين الرئاسة للموارنة ورئاسة مجلس النواب للشيعة ورئاسة الحكومة للسنّة.
تعمل بكركي على الضغط الرئاسي، ولا يروق لها تحميل المسيحيين المسؤولية وحدهم، وتسأل: هل النوّاب المسيحيون هم من يعطّلون النصاب؟ فإذا كان هناك بعض المسيحيين الذين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة يقاطع، إلا أنه يوجد نحو 60 نائباً مسيحياً من أصل 64 لا يعطّلون النصاب، فكيف تكون المشكلة مسيحية؟
تحاول بكركي التنسيق قدر الإمكان مع النواب المسيحيين، لكنها تعرف عمق الأزمة، وبالتالي يحتاج الإفراج عن الرئاسة إلى قرار من الخارج، لكنّه لم ينضج بعد، وإلّا لكان المعطّلون انصاعوا للقرارات الخارجية وأوقفوا مسلسل التعطيل.
هذا على صعيد البطريركية المارونية، أما سياسياً، فقد حرّكت قضية التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون المياه الراكدة سياسياً، وفي هذا الإطار سيحاول رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل استكمال معركته ضدّ العماد في الرئاسة بعدما فشل في قيادة الجيش.
ويقاتل باسيل على أكثر من جبهة رئاسياً، ولا يغفل جبهة رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية المدعوم من «حزب الله» وحركة «أمل». ويرتاح في هذا الإطار إلى موقف «القوات اللبنانية» وحلفائها في ما خصّ وصول فرنجية أو أي مرشح آخر لـ»الممانعة».
ويتشدّد باسيل أكثر في ملف الرئاسة، وإلى الأمس كانت هناك تأكيدات عونية بالبقاء على التقاطع على الوزير السابق جهاد أزعور في حال دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسة انتخاب. ولم يؤثّر الخلاف الحادّ الذي اندلع بين باسيل و»القوات اللبنانية» على ملف قيادة الجيش في الموضوع الرئاسي.
وبعد التمديد لعون، صارت «القوات» في موقف القوي، وبالتالي لم يسقط اسم قائد الجيش من السباق الرئاسي. وسيتركز هجوم «القوات» في المرحلة المقبلة على الدعوة إلى انتخاب رئيس، فالمبدأ القواتي هو الانتخاب ووقف مسلسل التعطيل.
كل هذه الأجواء المسيحية، وإن كانت تتميّز بالإيجابية، لا تكفي وحدها لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ويجب تكثيف العمل لتفكيك الألغام، فالمبادرة الفرنسية الأولى، ومثلها الثانية، باتتا في خبر كان، وقد تلقّفت اللجنة الخماسية كرة النار وبدأت العمل، في انتظار حصول تواصل أميركي- إيراني أو سعودي- إيراني.
تُرسم خطوط المنطقة من جديد، والمسيحي كان من أوائل الذين عملوا على النهضة العربية، لذلك ترى بكركي وعدد من المراجع المسيحية أنّ البكاء على الدور المسيحي لا يُفيد، بل انتخاب رئيس للجمهورية، لكي يعود إلى تأدية دوره الريادي على كل لبنان.
آلان سركيس – “نداء الوطن”