- Advertisement -

- Advertisement -

صراع مفتوح بين حق القوة وقوة الحق / جوزف القصيفي

ما يجري في غزه هو صراع مكشوف ومفتوح بين قوة الحق وحق القوة ،بعيدا من التحليلات السياسية والاعلامية، والاسقاطات المتعددة الهدف على عملية ” طوفان الاقصى” التي فاجأت العالم بقدر ما فاجأت اسرائيل، الدولة التي ” لا تقهر”، صاحبة ” الذراع الطويلة” القادرة على تأديب اعدائها في اي مطرح من الكرة الارضية، والمستأمنة على حدودها ومعابرها المنيعة العصية على الاختراق. وكما أسقط الجيش المصري في (6أكتوبر 1973) خط بارليف المحصن والذي اعتبر من أهم الخطوط الحربيةالأكثر مناعة في التاريخ العسكري الحديث، أسقط المقاومون الفلسطينيون في غزه وغلافها هيبة الجيش الاسرائيلي، وغدت الاسطورة التي حيكت حول تفوقه اكذوبة.وبعيدا من التوقعات التي يوردها هذا او ذاك ممن نصبوا انفسهم محللين، ومعظمهم إلى قارئة الفنجان اقرب،فإن بوصلة المقاربات والمقارنات يجب أن تصحح، وتصوب نحو جوهر الموضوع: إن قوة الحق مثلت في فلسطين العين، اما حق القوة فقد مثل المخرز. ومرة أخرى انتصر الدم على القباب الحديدية المتداعية، وهزمت العين المخرز . وإن ماحصل يتجاوز بكثير موضوع موازين القوى والسياسات الدولية والاقليمية وما يواكبها من مناورات و”بازارات”،ليلامس جوهر القضية. فعندما قام وعد “بلفور” على قاعدة منح فلسطين لليهود انطلاقا من مقولة ” ارض بلا شعب لشعب بلا ارض”، لم يتبين للاسرة الدولية، أو هي رغبت عن ذلك، ان في فلسطين شعبا حيا له حضوره وحضارته، ويزخر بالنخب الفكرية والعلمية والادبية والثقافية والفنية والاقتصادية،له الحق في الحياة على أرضه التاريخية، ارض آلاباء والاجداد، وبناء وطنه عليها. ولكن، وعلى الرغم من سقوط فلسطين بأيدي الصهاينة في العام 1948 ونشؤ دولة إسرائيل وترحيل مئات آلالاف من الفلسطينيين قسرا إلى خارج حدود بلادهم وتوزعهم على دول الشتات، فإن القضية لم تمت وهي ماثلة في ضمائر ابنائها، وقلوبهم. يخبو وهج مقاومة هؤلاء للكيان الغاصب تارة، وتعلو اصوات الثأر ورفض الاذعان لمؤامرات التخلي عن حق العودة لقاء مغريات خادعة طورا. وفي المحصلة تبقى القضية الفلسطينية ملك شعبها ،لا ملك اي طرف يتوهم انه يستطيع تقرير مصيرها من دونه . واذا كان التطبيع يقوم على حل الدولتين، فإن نجاحه من عدمه يعود إلى مدى التجاوب الفلسطيني معه. لكن وبعد عملية ” طوفان الاقصى” بات الفلسطينيون أمام معادلة:” النصر أو النصر” ولا خيار ثالث بعد الهزيمة التي المت بالكيان العبري الذي يتعين عليه استيعاب الصدمة والصفعة والمهانة التي لحقت به وبجيشه وأجهزة استخباراته وعلى رأسها ” الموساد”. ولن يفيد إسرائيل كل الاعمال العنفية غير المسبوقة، وقصف المباني السكنية والمنشآت المدنية، فالضرر المعنوي الكبير الذي أصابها لا تعوضه الغارات والقصف وعمليات الوحدات الخاصة وما تقوم به من اقتحامات. الضرر الفادح وقع، والهيبة سقطت، والصدقية تهاوت، وبات الفلسطيني على الرغم مما حل به ويحل،صاحب المبادرة. وثمة من يتحدث عن بركان غزه المسمى ” طوفان الاقصى”، وكأنه عمل مدبر للوصول إلى تسوية تضع خواتيم القضية التي مضى عليها 75 سنة من دون حل.وهذه اكذوبة أو نكتة سمجة، وهل يمكن لإسرائيل أن تدخل في لعبة غالية الكلفة، ذات نتائج مدمرة على كيانها؟ دائما المخيلات الخصبة تجد ما تقدمه من سيناريوهات إفتراضية لا صلة لها بالواقع. فهل يعقل أن تضحي إسرائيل بالف من جنودها ومواطنيها وتغامر بهيبتها مقابل تسوية مزعومة؟ ولماذا لا يعترف العالم بأن عملية” طوفان الاقصى”،شكلت تحولا استراتيجيا غير مسبوق في التاريخ الحديث، حتى ليصح القول أن ما قبل هذه العملية مختلف جدا عما بعده ليس بالنسبة إلى إسرائيل فحسب ،بل لدول المنطقة باسرها. حبذا لو قرأ الناس عبر التاريخ. ألم يهزم ” الفييتكونغ” الجيش الأميركي في فيتنام بكل ترسانته العسكرية المدمرة ؟ ألم يطرد الطالبان جنود ” العم سام” من أفغانستان. وفي عود الى الأمس الابعد ألم ترغم المقاومة الجزائرية فرنسا على الجلاء بعد استعمارها لبلادها على مدى 130 عاما. إن إرادة الشعوب ومقاومتها للاحتلال والظلم،لا يمكن أن تقهر مهما طال الزمن، وامتلك المغتصبون اشد وسائل الضغط والبطش لاستعبادها، وحملها على التسليم بما يرسم لها من أقدار على حساب حقوقها المشروعة. طالما هناك عرق فلسطيني نابض،جيلا بعد جيل ، فإن القضية الفلسطينية لن تسقط ولن تموت.

جوزيف القصيفي – نقيب محرري الصحافة

Ralph Zgheib – Insurance Ad

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد