راكيل عتيّق – “نداء الوطن”
يتهم فريق «الممانعة» مرشحين لرئاسة الجمهورية بأنّهم مرشحو سفارات أو قوى خارجية أو إملاءات. في المقابل «يستقوي» هذا الفريق تارةً بالدعم الفرنسي لمرشحه، وينتظر تارةً أخرى إشارة سعودية، أو يتباهى بدعوة مرشحه إلى «ترويقة» في السفارة السعودية أو «غداء» في السفارة الفرنسية في بيروت.
كذلك دأب «الثنائي الشيعي» طيلة الأشهر السابقة لجلسة الانتخاب الـ12، على تأكيد أنّ مرشحه رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية بات على قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى أكثرية النصف زائداً واحداً التي تخوّله الوصول إلى سدة الرئاسة في الدورة الثانية. وفي 14 حزيران، لم يتخطَّ «سكور» فرنجية الـ51 صوتاً، مع رفض مسيحي شبه شامل، فـ»طُيّر» النصاب. في المقابل حصل وزير المال الأسبق جهاد أزعور على 59 صوتاً، مع كلّ «المخالفات». وعلى رغم هذه النتيجة، وبعكس «لغة الأرقام» يعتبر مؤيدو فرنجية أنّه «تفوّق» على أزعور.
إلى ذلك، دأب «الثنائي» على ترويج أنّ العقدة الرئاسية مارونية، وأنّ الاتفاق المسيحي – المسيحي يمهّد لانتخاب رئيس، خصوصاً بين حزب «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر» وبرعاية بكركي. التوافق المسيحي- المسيحي حصل وبغطاء البطريركية المارونية، ومهّد إلى اتفاق تعدّدي أوسع مع قوى أخرى، و»الثنائي الشيعي» لم يبدّل تبديلاً في موقفه الرئاسي. والآن يعود هذا الفريق إلى طرح عقد حوار بدعوة من البطريرك الماروني، فيما سبق أن بادر البطريرك عبر «المطرانين» إلى التحاور مع رئيس مجلس النواب نبيه بري والأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله شخصياً، والنتيجة: «فرنجية أو لا أحد».
في سياق لزوم الحملة الرئاسية، يقول «الثنائي الشيعي» علناً إنّ أزعور مرشح مواجهة ويعتبر أنّ التقاطع على اسمه غير ثابت. لكن بمعزل عن أسباب كلّ طرف مؤيّد لأزعور، أحد لم يعلن سحب دعمه له، ولا حتى أزعور نفسه انسحب من المعركة بل إنّه مستمرّ فيها «للآخر».
أيضاً، اعتبر بري أخيراً، في حديثٍ تلفزيوني، أنّ الموفد الفرنسي الرئاسي جان إيف لودريان، «أعطى فرنجية إشارة لتمييزه عن غيره بدعوته إلى الغداء». لكن لودريان التقى مرشحين آخرين، معلنين أو ضمنيين، فزار قائد الجيش العماد جوزاف عون ودعا الوزير الأسبق زياد بارود إلى العشاء، على رغم أنّه لم يعلن ترشيحه للرئاسة وحصل في جلسة 14 حزيران على 6 أصوات من النواب فقط. هذا فضلاً عن «المفاخرة» و»التباهي» بدعم ما خارجي لفرنجية، بمعزل عن صحته، فيما هذا الفريق يتهم الآخرين بـ»التآمر» مع الخارج.
في النقيض لذلك، يؤثر أزعور عدم تسخير علاقاته الخارجية الواسعة في المعركة الرئاسية. هو يفضّل الاستفادة منها كرئيس للجمهورية، في حال انتُخب، خدمةً للبنان ولاستراتيجيته الإنقاذية. لا يسعى مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي إلى المفاخرة بأي علاقة مع أي عاصمة، على رغم أنّها قائمة و»حقيقية»، وتشمل الدول العربية والمنطقة كلّها مروراً في باريس وصولاً إلى واشنطن. وهي «قوية جداً» مع فريق العمل في الإليزيه، بحيث هناك تواصل دائم وعمل على دول المنطقة. ويعتبر أزعور، بحسب من التقوه بعد جلسة 14 حزيران، أنّ «التمييز الداخلي» الذي حظي به هو الأساس وهو ما يفتخر به، من مجلس النواب، إلى القوى السياسية المتعدّدة التي توافقت على اسمه، إلى الإجماع المسيحي على دعمه بغطاء بطريركي. كذلك «يفاخر» أزعور بأنّه ليس «مرشح سفارة»، بل مرشح قوى سياسية من توجهات مختلفة، ومن بينها «الحزب التقدمي الاشتركي» ورئيسه السابق وليد جنبلاط الأقرب إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، و»التيار الوطني الحر» الحليف «الاستراتيجي» لـ»حزب الله»، ما ينفي عن أزعور أنّه مرشح مواجهة، فلا جنبلاط يسير بمرشح يواجه بري ولا «التيار» يسمّي من يواجه «الحزب».
مؤيدو أزعور «يتفاجأون» عند اعتبار «عزيمة على الغدا» عنوان قوة. هذا علماً أنّ أزعور «انعزم» أيضاً. اتصلت به السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو يوم جلسة الانتخاب الأخيرة في 14 حزيران، ودعته إلى لقاء لودريان في بيروت. هو من لم يتمكّن من تلبية الدعوة. وحصل اتفاق بين الجانبين على إجراء اللقاء في باريس في أقرب وقت ممكن. اللقاء بين أزعور ولودريان سيُعقد. قد يكون موعده خلال هذا الأسبوع أو في وقتٍ آخر. وليس بالضرورة أن يعلنه أزعور بعد حصوله. مقاربة المرشح الرئاسي واستراتيجيته «أبعد» و»أعمق» من تظهير دعمٍ ما أو علاقات خارجية قائمة أساساً.
متى عقد اللقاء
أمّا متى عُقد اللقاء بين لودريان وأزعور، فلدى الوزير الأسبق إجابات على كلّ الأسئلة التي قد يطرحها المُضيف الفرنسي. وسيشرح له، إذا سأله، مقاربته لطريقة انتخاب الرئيس عبر الآلية الدستورية. فإمّا أنّ رئيس الجمهورية يخرج من مجلس النواب فعلياً، وإمّا أنّ الرئيس يُفرض على المجلس. وسيوضح أزعور أنّ وصول رئيس منفتح، معتدل ووسطي عبر عملية انتخابية ديموقراطية، من دون أن يكون منتخباً من الأحزاب أو الكتل كلّها، لا يعني أنّه يفتقد إلى الشرعية أو أنّه ليس رئيساً للجميع. فالآلية الدستورية لانتخاب رئيس ليست آلية مواجهة، والانتخاب ليس مدخلاً إلى أزمة بل إلى تداول صحيح في السلطة، وانتخاب رئيس للجمهورية ليس أمراً مناهضاً للعيش المشترك، كما أنّ شخصية أزعور ليست مناهضة للعيش المشترك، لا في تاريخه ولا مقاربته ولا تواصله مع كلّ القوى بما فيها «الثنائي الشيعي».
هذا إضافةً إلى اعتبار أزعور أنّ عملية الانتخاب الفعلية فرصة حقيقية، وهذا ما يراهن عليه في معركته. فأهمية أن يكون هناك تبنّ لمرشح مستقل توافقت على اسمه قوى سياسية متعدّدة ومختلفة، تكمن في أنّه، وعلى عكس تبنّي «مرشح تحدٍّ»، لا يفرض تنازلات على حساب الدستور والمؤسسات. كذلك إذا سأل لودريان، سيشرح أزعور طريقة مقاربته للترشح واستراتيجية الخروج من الأزمة، انطلاقاً من تصوّر محدّد برؤية واضحة، استناداً إلى تجربته في المنطقة ومعرفته التامة بالبلد، عبر مقاربات عدّة، ومنها: معالجة مشكلة الثقة الداخلية والخارجية، تطوير العمل السياسي والإدارة، المصالحة الداخلية وتعزيزها، دور رئيس الجمهورية وطريقة مقاربة دوره مع المؤسسات الدستورية الأخرى، رؤيته للبنان في المرحلة المقبلة (أي لبنان نريد)، التحديات وطريقة مواجهتها استناداً إلى خبرته، مقاربة الشؤون الاجتماعية، الدفع بلبنان إلى الأمام مع المتغيرات الإقليمية، وطريقة إعادة تنشيط الحوار السياسي وتطوير مؤسسات الدولة.