تدور في لبنان أسئلة كثيرة حول علاقة رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل بحزب الله. أهمها حول مصير التحالف، مسار العلاقة، وكيف سيخوض الطرفان استحقاق إنتخاب رئيس جديد للجمهورية وإذا ما كان الحزب مستعداً للسير في خيار رئاسي من دون موافقة باسيل. للإضاءة على هذه الأسئلة وفي محاولة لإيجاد أجوبة لها لا بد من العودة إلى بعض وقائع الجلسة الشهيرة التي عقدت بين باسيل ووفد حزب الله المؤلف من المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل، ورئيس وحدة الإرتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا.
خلال اللقاء وبحسب “المدن”، كانت الجلسة بلا أي نوع من القفازات، شهدت بعضاً من الصخب في مقاربة الملفات على مرّ سنوات ورقة التفاهم. عملياً تركزت الجلسة على ثلاثة عناوين، انتخابات رئاسة الجمهورية، موضوع الشراكة والذي يعتبره باسيل قد سقط بفعل مشاركة حزب الله في جلسات حكومة تصريف الأعمال، وملف تعديل ورقة التفاهم أو البحث في صيغة جديدة حولها بعد ما اعتبر باسيل أنه مرّ في اخفاقات كثيرة أبرزها مواضيع مكافحة الفساد وبناء الدولة. ووسط كل هذا النقاش كان حزب الله حريصاً على حفظ العلاقة ومنع تدهورها.
في ملف الإنتخابات الرئاسية، أبدى وفد حزب الله عتبه على إخراج باسيل للخلاف الرئاسي مع الحزب إلى العلن، خصوصاً بعد جلسة مطولة عقدها مع أمين عام الحزب، وفي الجلسة كان نصر الله واضحاً في مسألة إقتناع باسيل بتبني خيار فرنجية، كما رفض الحزب الإجابة على سؤال باسيل إذا ما كان سيبقى مستمراً في خوض معركة فرنجية وترشيحه إلى النهاية كما حصل مع ميشال عون أم أنه سيكون مستعداً للتراجع عن ذلك. في هذا الملف استمر الخلاف قائماً.
أما في ملف مراجعة مسار التحالف وانعكاس الخلافات مؤخراً على مسألة المشاركة في جلسة الحكومة بالإضافة إلى بناء الدولة ومكافحة الفساد، فقد قدّم باسيل رؤيته المعروفة والمعلنة إزاء هذه الملفات. بينما ردّ الحزب كان واضحاً، في البداية فإن حزب الله ناصر باسيل في مسألة مكافحة الفساد، وقد تدخل نصر الله شخصياً في الأمر وكلف النائب حسن فضل الله في إعداد الملفات المطلوبة وأحيلت إلى القضاء، ولكن:” أنت كنت تريد إدخال الناس إلى السجون وتصفية حسابات سياسية وهذا ما لا يمكن أن نقوم به بالقوة.” بهذه الطريقة توجه وفد الحزب إلى باسيل.
بالإنتقال إلى مسألة الشراكة وسقوطها، فقد قدّم وفد الحزب استعراضاً تاريخياً منذ السعي لإدخال التيار الوطني الحرّ للحكومات، وكيفية تعطيلها إلى أن ينال باسيل مطالبه، وقال الوفد:” قد وقفنا إلى جانبك خلال عمليات تشكيل كل الحكومات، للحصول على الوزراء والحقائب التي تريدها وكنا نتحمل مسؤولية التعطيل، فهل نحن نكون قد كسرنا قواعد الشراكة؟ وكيف لا نكون قد انصفناك؟.” وفي مسألة قانون الإنتخاب ينطبق الأمر نفسه. ومنذ إقرار التسوية الرئاسية كنت تقول إن المدخل الأساسي للإصلاح هو قانون الإنتخاب، فوقفنا إلى جانبك واعطيناك قانون الإنتخاب الذي تريده واختلفنا مع كل الناس، في سبيل ارضائك. وكانت نتيجة هذا القانون بأنها منحت سمير جعجع 15 نائباً”. وعلى إثر استمرار النقاش توجه صفا إلى باسيل بالقول:” في الإنتخابات الأخيرة لولا حزب الله لما حصل التيار على حوالى 7 نواب.”
في اللقاء مع رئيس الجمهورية ميشال عون، كان كلام وفد حزب لله في السياق نفسه ولكن بلغة أهدأ وسط السعي إلى ترتيب العلاقة وعدم تركها تتدهور. لكن بحسب ما تقول مصادر متابعة فإن اللقاء لم يصل إلى إنهاء الخلافات أو الإختلافات. من هنا يطرح السؤال عن مصير العلاقة بين الطرفين، وتقول المصادر:” حزب الله ليس في وارد سحب يده من التحالف، ولكن من الواضح أن باسيل يصرّ على اظهار التمايز والتباعد في المواقف.” وتتوقف المصادر عند زيارة السفيرة الأميركية دوروثي شيا إلى الرابية ولقائها عون قبل 24 ساعة من زيارة وفد الحزب.”
كيف سينعكس ذلك رئاسياً؟ لا جواب واضح حتى الآن، لكن المعطيات القريبة من الحزب تفيد بأنه في حال توفرت ظروف التسوية لانتخاب سليمان فرنجية أو غيره فإن حزب الله سيكون مستعداً للسير فيه حتى وإن كان باسيل معترضاً ورافضاً. بينما تبقي المصادر باباً مفتوحاً حول احتمال حصول صيغة توافقية في مكان ما يكون باسيل راضياً عنها وكذلك الحزب، في حال الذهاب إلى مرشح ثالث غير فرنجية وغير قائد الجيش. وسط كل هذه الوقائع، هناك من يشبه علاقة حزب الله بباسيل، بالعلاقة التي نسجها سعد الحريري مع رئيس التيار الوطني الحرّ، إذ ان الحريري سلّف باسيل الكثير في السياسة وفي الدولة ولكنه في النهاية وصل إلى القطيعة معه، وهذا الأمر نفسه تكرر مع حزب الله الذي سلّف باسيل ما لم يسلّفه إياه أحد وفي النهاية وقعت القطيعة.