نجوى ابي حيدر
المركزية– كما في حياته، كذلك في مماته، كان وطنيا حتى العظم، وأبى الا ان يبقى
ارثه موسوما بهذه الصفة. هو الرئيس حسين الحسيني، رئيس مجلس النواب السابق،عرّاب اتفاق الطائف وحافظ اسراره. هو من اعتبر نفسه مؤتمنا على وثيقة الوفاق الوطني، ومداولاتها فاحتفظ بها رافضا كشفها باعتبارها امانة لا يجوز التفريط بها.
كما في حياته، حينما كان يهدي زواره، بفخر واعتزاز، نسخة من الوثيقة الوطنية التي وضعت حداً للحرب في لبنان، كذلك في مماته. فقد اوصى بتوزيع نسخ منها للمعزين برحيله. وكان ما اراد، فتم توزيعها على كل من حضر معزيا بالأب الروحي للطائف في خطوة لقيت استحسانا كبيرا من كل وطني شريف يحترم دستور بلاده ويلتزم نصوصه ويترحّم على رجالات دولة تندثر مع غيابهم في ظل تحكم منظومة عبثية مصلحية بالوطن واهله، او من تبقى منهم، فيما لبنان بأمس الحاجة الى عقلاء السياسة المعتدلين الرافضين الانغماس في وحول الانانيات والمنافع الشخصية والتوظيف الطائفي.
حينما تسلم المحامي اكرم عازوري نسخة عن وثيقة الوفاق الوطني اثر تقديمه واجب العزاء بالرئيس الحسيني، استوقفته الخطوة، ورأى فيها رسالة قوية الى اللبنانيين ودعوة الى تمسكهم بلبنان الاعتدال والعيش المشترك، لبنان البعيد من المحاور، لبنان النموذج، وعنها يقول لـ”المركزية” : لطالما قدّم في حياته صورة رجل الدولة الوطني بكل جوارحه، هو المؤمن بربه الى اقصى حد والبعيد بالمستوى نفسه عن الطائفية، اذ عوض توزيع نسخ من القرآن الكريم كما هي الحال عند المسلمين او الانجيل المقدس لدى المسيحيين، اوصى العائلة بتوزيع اتفاق الطائف، في دليل الى مدى تمسكه بوطنيته وعروبته وايمانه بوطن احبه وكرّس حياته في خدمته، متمنيا على اخوانه في الوطن ان يكملوا المسيرة، ويتمسكوا بالدستور وبنهائية لبنان وعروبته والتنبه الى اين يقودونه اليوم.
ويعتبر ان توزيع وثيقة الوفاق الوطني على المعزين من كل الانتماءات السياسية ينطوي على قراءتين: الاولى، رسالة – وصية من رئيس مجلس نواب وعراب الطائف وراعي حسن تطبيقه حرصا على عدم تشويهه. وهذه وصيته الاخيرة. والثانية، بمعناها الجيو سياسي التاريخي، ان شمسطار، مسقط رأسه، البلدة الشيعية، كان لها ممثل في ادارة جبل لبنان في العهد العثماني .والرئيس الحسيني ، هو سيد من يثرب(المدينة المنورة)، لذلك لموقفه مدلول لافت جيو- سياسي- تاريخي، انه موقف لسيد من يثرب يؤمن بنهائية لبنان ويجدد ايمانه بها حتى بعد مماته.
ويختم عازوري: دستور الطائف كان للحسيني مثابة الانجيل والقرآن معا. كان الكتاب المفترض ان يجتمع حوله اللبنانيون لانه خريطة الطريق والمسارالاسلم للبنان افضل، فهل ثمة من يتعظ اليوم ويفوّق وطنيته على طائفيته ومصالحه في جمهورية كانت في زمن الرئيس الحسيني وامثاله من الرجال الكبار مثالا للعيش المشترك وغدت في يومنا هذا جمهورية قبائل واحقاد؟

