- Advertisement -

- Advertisement -

الإفلاس السياسي يمدّد الفراغ .. ولا مبادرات خارجية

اليوم ، يختم الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى أسبوعه الثاني، ومكونات الصراع الداخلي، بكّرت في إشهار إفلاسها وتعرية نفسها من الحدّ الأدنى من المسؤولية السياسية والوطنية والاخلاقية تجاه بلد منكوب، وكيّفت نفسها مع هذا الفراغ وتموضعت خلف متاريس الخصام والصدام، خدمة لنزواتها وأجنداتها وحساباتها ومكاسبها السياسية وغير السياسية، ومن بعدها فليجرف الطوفان لبنان الذي يكاد يفقد صفته كوطن، واللبنانيين المخنوقين بأزمة طحنت مقومات حياتهم وباتت الشريحة الكبرى منهم تعيش بالتسوّل.

وفي السياق، يقول مرجع روحي لـ«الجمهورية»: «انتخاب رئيس للجمهورية لا يحظى بالأولوية لدى السياسيين، هناك لعب خطير بمصير لبنان، واستخفاف غير مقبول بموقع رئاسة الجمهورية، ولا يمكن السكوت ابداً على جعل شغور موقع رئيس الجمهورية امراً واقعاً، حيث اكثر ما اخشى منه هو ان يكون هناك من يعمل في الخفاء على نسف الاستحقاق الرئاسي وتعويد لبنان على الفراغ».

وفيما وجّه رئيس مجلس النواب نبيه بري الدعوة رسمياً الى انعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية قبل ظهر بعد غد الخميس، تخلو الجعبة النيابية من اي مفاجآت في تلك الجلسة، بل ستبقى عالقة في دائرة العجز ذاتها، في انتظار ان تحين «لحظة الجد» التي ستطوّع الجميع وتقودهم الى الانتخاب.

Ralph Zgheib – Insurance Ad

وإذا كان العجز عن انتخاب رئيس في جو الصدام والتناقض القائم يقدّم دليلاً دامغاً في كل جلسة انتخابية تُعقد على استحالة تمرير انتخاب رئيس الحمهورية في غياب التوافق السياسي حوله، فإن توقعات القارئين في الفنجان الرئاسي يرجحون ان تتبدّى «لحظة الجد» مع بداية السنة الجديدة. وخصوصاً انّ مسلسل الجلسات سيسير حتماً بوتيرة متقطعة في الاسابيع المقبلة وفي مواعيد متباعدة، خلال شهر كانون الاول، أي شهر الاعياد. الّا إذا نجحت المحاولات الخجولة لصياغة توافق قبلها، وهذا احتمال قائم، الّا انّه ضعيف جداً.

وعلى ما تقول مصادر واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية»: انّ الدخول الى عمق الاستحقاق الرئاسي لم يتمّ بعد، على الرغم من كل الصخب السياسي الذي يضج الأرجاء. ذلك انّ كل المجريات المرتبطة بالانتخابات الرئاسية التي تتوالى على المشهد الداخلي، تدور على هامش الاستحقاق الرئاسي لسبب بسيط ومعلوم، وهو أنّ لا أحد من بين كلّ اللاعبين، يملك مفتاح باب الدخول الى أعماق الاستحقاق وسبر أغواره وملامسة قطبه المخفيّة وفكّ ألغازها. وهو ما يتأكّد مع كل جلسة انتخابية، التي تكرّر 3 مشاهد متناقضة؛

المشهد الاول، الترشيح الفولكلوري للنائب ميشال معوض، ودغدغته بنسبة اصوات تدغدغ معنوياته وتزرع الوهم لديه، فيما هي تقع على مسافة بعيدة من النسبة التي تؤهّله للفوز. وكل المؤشرات حول هذا الترشيح تؤكّد انّه ترشيح مؤقت، ولن يكون له أثر في التسوية التي لا بدّ ان تُصاغ في نهاية المطاف.

والمشهد الثاني، التصويت الابيض الذي يُعتمد من قِبل ثنائي حركة «امل» و»حزب الله» وحلفاؤهما، بإسقاط الورقة البيضاء في صندوقة الاقتراع، التي تفوقت من جهة، بشكل واضح على النسبة التي ينالها ميشال معوض، وبالتالي تقطع الطريق عليه. وتستبطن من جهة ثانية اسماً لمرشح مؤيّد من قِبلهم، ثمة مؤشرات تشي بأنّ إعلان تبني ترشيحه صراحة قد اصبح وشيكاً.

المشهد الثالث، الأداء الكاريكاتوري لمجموعة التغييريين، وتخبّطهم في ما بينهم، وانحباسهم في خانة الاستعراض، وافتقادهم البوصلة التي ترسيهم على مرشح معين يشكّل قاسماً مشتركاً في ما بينهم، ولذلك تراهم يستحضرون لكل جلسة اسماً من هنا واسماً من هناك، وحتى من دون ان يعلم صاحب الاسم بذلك. والجذير ذكره هنا، ما اعلنه النائب ملحم خلف، حيث قال: «انّ التغييريين خذلوا الشعب الذي انتخبهم وخيّبوا آماله».

الى ذلك، علمت «الجمهورية»، انّ حركة المشاورات والاتصالات حول الملف الرئاسي تجري بوتيرة خجولة، والحديث الطاغي في المجالس السياسية يركّز على ما سيبادر اليه رئيس مجلس النواب نبيه بري في المدى المنظور، وخصوصاً انّ الجو القائم حالياً نتيجته حتمية باصطدام كل الاطراف الداخليين بالحائط المسدود.

وكشفت مصادر موثوقة لـ»الجمهورية»، انّ هذه المشاورات الآنية وكذلك اللاحقة، تركّز على اولويتين؛ جوجلة اسماء المرشحين تقع في المرتبة الثانية، فيما الاولوية الاولى هي بناء قاعدة تفاهمية وتشاركية على هزيمة الفراغ، التي يفرضها الشعور اللبناني العام بالخطر، وإجراءات فوريّة ببناء جدران حماية وصدّ مِن كلّ المكوّنات، وفق المسار الآتي:

اولاً، إجراء مراجعة موضوعية لكلّ ما جرى، وإعادة قراءة تفصيلية ومعمّقة للمرحلة الماضية وللسنوات الأخيرة خصوصاً، فالفرصة ما زالت سانحة لتلك المراجعة، وبالتالي استخلاص العبَر ممّا جرى، وإعادة ترتيب الأولويات على هذا الأساس.

ثانياً، انتخاب رئيس الجمهورية اولوية ملحّة، ولكن بالدرجة الاولى، ينبغي ان يقترن اختياره بطريق مفتوح الى المجلس النيابي، وهذا يفرض التوافق بين الأطراف الأساسيين.

ثالثاً، أيّاً كان الرئيس الذي سيُنتخَب، ينبغي ان يكون عنواناً لطمأنة حقيقية لكل الاطراف.

رابعاً، التمسّك بالطائف والتزام دستوره كحاكم منظّم للحياة السياسية في لبنان. وتأكيد الحفاظ على منظومة العيش المشترك التي تَحكم الواقع اللبناني وعدم المسّ بخريطة التوازنات، وتثبيت قواعد الشراكة الحقيقية وليس الشراكة التي يتمّ التغنّي بها كشعار تبريري لغلبة طرف على آخر. والانخراط في مسار إنقاذي من رئيس الجمهورية الى المجلس النيابي والحكومة وسائر القوى السياسية لهزيمة الأزمة، واستعادة الدولة دورها وحضورها وهيبتها.

إلى ذلك، وفي معلومات موثوقة توفّرت لـ«الجمهورية» من مصادر مسؤولة ، فإنّ الحركة الديبلوماسية التي تتنقل بين المستويات السياسية اللبنانية، تتسم بطابع استطلاعي لمسار الملف الرئاسي، ولا تشي، خلافاً لما يعتقده بعض الأطراف الداخليين، باندفاعة خارجية تجاه لبنان لإتمام الاستحقاق الرئاسي، والسفراء يؤكّدون على انّ هذا الامر مسؤولية اللبنانيين.

ووفق ما استنتجته المصادر المسؤولة من لقاءاتها مع مجموعة من السفراء والديبلوماسيين العرب والاجانب، فإنّ لبنان تحت العين الخارجية، الّا انّه في الوقت الراهن لا يحتل موقعاً متقدّماً في أجندة الاهتمامات والاولويات التي باتت محصورة في التطورات الدولية وفي مقدّمها الملف الاوكراني وتداعياته الدولية. وبالتالي، وفي ظل هذه التطورات، فإنّ السلوك الخارجي تجاه لبنان واستحقاقاته لا يرقى الى مستوى التدخّل المباشر في الملف الرئاسي، حيث ليس لدى اي من الدول الصديقة او الشقيقة اي مبادرة جدّية حيال الرئاسة اللبنانية، بل انّ السلوك الخارجي متأرجح بين التجاهل والترقب، ومحاولة إقناع اللبنانيين بالدخول الى مرحلة التفاهم وانتخاب رئيس وتأليف حكومة والشروع في اصلاحات انقاذية.

على انّ أهم ما استنتجته المصادر من مداولاتها مع ديبلوماسيين يمثلون دولاً معنية تاريخياً بالشأن اللبناني، هو «ان لا «فيتو» على اسم أي من المرشحين لرئاسة الجمهورية، والاولوية هي لتفاهم اللبنانيين حول أي مرشح».

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد