طوني عيسى – “الجمهورية”
واضح أنّ الرئيس المكلف نجيب ميقاتي مستعد لتعويم حكومة تصريف الأعمال كما هي، لكنه يصرّ على تغيير وزير واحد أيّاً كانت النتائج، وهو وزير الطاقة وليد فياض. فما مبررات ميقاتي للتبديل في هذه العجالة الضيقة، في نهاية العهد؟ وهل تتوقف عند حسابات التحاصص الداخلي المعتادة أم تكمن وراءها دوافع أخرى؟
عندما قدّم ميقاتي تشكيلته الأولى، سريعاً، إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، وجرى فيها تبديل وزير الطاقة بآخر محسوب عليه، ساد الانطباع بأنّ ميقاتي يستفيد من الظرف، أي من بلوغ العهد شهوره الأربعة الأخيرة ليسجّل ما لم يستطع أن يفعله أحد قبله، أي إزاحة فريق الرئيس عون عن الوزارة الأكثر أهمية في هذه المرحلة.
وفي السجالات التي أعقبت تسريب التشكيلة الميقاتية، اعتبر الرئيس المكلف بشكل صريح أن «التيار الوطني الحر» الذي تولى وزارة الطاقة 17 عاما في شكل متواصل، مسؤول عن إيصال البلد إلى المأزق الذي يعيشه اليوم، وأن انطلاق الحلول الاقتصادية والمالية يحتّم إخراجه من هذه الوزارة.
طبعاً، ميقاتي لا يخوض هذه المعركة وحيدا، بل يخوضها بالأصالة عن نفسه والوكالة عن آخرين في الصف المناوئ لـ»التيار»، من داخل السلطة. وهو يتقاطع في موقفه مع الرئيس نبيه بري، ما يجعل المواجهة الجارية أكثر تعقيدا. فبقاء وزارة الطاقة في أيدي عون وباسيل خلال فترة تصريف الأعمال أو في الحكومة الأخيرة من العهد يمنحهما ورقة قوية في المعركة الجارية مع الخصوم، على 3 مستويات:
1 – إن ملف الطاقة في الشرق الأوسط يستحوذ الاهتمام العربي والدولي بقوة في هذه المرحلة، خصوصا بعد انفجار الأزمة في أوكرانيا واشتداد المواجهة الغربية مع روسيا. ويبدو لبنان معنياً بتداعيات الصراع القائم حول هذا الملف، سواء من خلال ملف الترسيم وتوزّع مخزونات الغاز جنوباً أو من خلال خطط الإمداد بالكهرباء والغاز من مصر والأردن. ويوحي التوجه الغربي بوجود ترابط بين هذين الملفين اللذين أصبحا محور الاهتمام الأميركي والأوروبي والعربي الأول في لبنان، والأرجح أن هذا الملف سيزداد أهمية في المرحلة المقبلة.
ولذلك، إن «التيار» الذي يمسك بملف الطاقة اليوم يحرص على أن يكون شريكا في صناعة التسويات التي ربما يتم التوصّل إليها. ومن الصعب عليه أن يقبل بالتخلي عن موقعه الذي استطاع الاحتفاظ به لسنوات طويلة في وزارة الطاقة، وعلى مدى حكومات عديدة، فيما ينصَبّ الاهتمام على إنضاج التوافقات محليا وخارجيا.
وفي تقدير «التيار» أن هناك من يستثمر عملية تأليف الحكومة لإزاحته من المعادلة في نهاية العهد والاستفراد بالقرار. وثمة من يخشى تداعيات هذه المواجهة بين «التيار» وخصومه على تماسك الموقف اللبناني في مسألتي الترسيم والإمداد.
2 – تسبب قطاع الكهرباء في إهدار أكثر من 40 مليار دولار من المال العام على مدى هذه السنوات. وهذا الهدر كان عاملا أساسيا في الانهيار الاقتصادي والمالي والنقدي. فإذا خرج «التيار» من وزارة الطاقة اليوم، ونجحت التسويات التي يجري تحضيرها لأزمة الكهرباء، فستتكرّس صورته كمسؤول عن الكارثة، فيما يأتي خصومه كمنقذين، ويتمتعون بأموال صندوق النقد الدولي والجهات العربية والدولية المانحة. وهذا الواقع سينعكس سلبا على وضعية «التيار» الشعبية والسياسية.
3 – هاجس «التيار» هو اليوم تأمين استمراره شريكا قويا في الحكم بعد تشرين الأول ٢٠٢٢. وضمان هذا الأمر يقتضي منه أن يبقى موجودا في المعادلة وينجح في إجراء المقايضات المعتادة مع الأقوياء أصحاب الشأن، محليا وإقليميا ودوليا. ويحتاج «التيار» إلى استخدام كل الأوراق التي يملكها اليوم ليكون قادرا على تأمين استمراره في الحكم لسنوات مقبلة. وملف الطاقة هو أحد أبرز هذه الأوراق. ولذلك، هو يتوجّس من محاولات خصومه إبعاده عن هذا الملف قبل انتهاء العهد.
في أي حال، يدرك ميقاتي أن عون لن يوقّع أي مرسوم بتشكيل أي حكومة تنتزع من فريقه وزارة الطاقة، وأنه يفضّل الاستمرار بحكومة تصريف الأعمال على تقديم هذا التنازل، خصوصا إذا لم يحصل على الثمن الموازي.
ولكن، ثمة من يعتقد أن الرئيس المكلف ربما يراهن على تغييرات في المناخات الداخلية والخارجية، في الوقت اللبناني المستقطع، قد تشكّل فرصة ليحقق الهدف. ولذلك، هو بدا مستعجلا وجريئا في طرح تشكيلته الأولى على رئيس الجمهورية.
البعض يرى أيضا أن ميقاتي ربما يترقّب أن يقود الاهتراء الاقتصادي والمالي والنقدي المتمادي، وما يرافقه من ظروف اجتماعية ضاغطة، إلى تسريع إبرام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وإقرار خطة التعافي، ما يفرز معطيات جديدة في لبنان، خصوصا أن وزير الخارجية عبد الله بو حبيب تحدث عن حَلحلة محتملة في ملف الترسيم والغاز خلال أيلول، وسط اتصالات حثيثة على خط الإمداد بالطاقة من مصر والأردن والعراق.
ولكن، هل هذه الصورة واقعية؟ وهل التسويات واردة فعلاً؟ وفي أي حال، هل اللعبة متروكة لخصوم عون في اتخاذ القرار؟ وما هو الموقف الحقيقي الذي سيتخذه حلفاؤه في اللحظة الحاسمة؟