شكّل انعقاد اللقاء التشاوري لوزراء الخارجية العرب في بيروت جرعة دعم معنوية للبنان الذي يواجه أزمة مالية حادة، على وقع فراغ حكومي وبدء العد العكسي لنهاية ولاية الرئيس ميشال عون، الذي لن يتمكّن من المشاركة في القمة العربية الدورية المقرّرة في الجزائر، أوائل تشرين الثاني، بسبب انتهاء ولايته في 31 تشرين الأول. وعلى الرغم من انّ مستوى المشاركة العربية كان منخفضاً، حيث تَمَثَّلَ أقل من نصف الدول الـ 21، بوزراء الخارجية، إلّا انّ هذا الأمر لا يقلِّل من أهمية انعقاد هذا اللقاء في بيروت، الذي يؤشر بوضوح إلى حرص عربي على استقرار لبنان، وهذا ما تمّ تأكيده والتركيز عليه.
وقالت مصادر إطّلعت على اجواء الاجتماع الوزاري لـ«الجمهورية»، إنّ «الحرص العربي الصادق لن يخرج عن سقفه المعنوي، فلا مساعدات للبنان بمعزل عن الإصلاحات والشروط الدولية المطلوبة منه، إنما حدود هذا الحرص يتمثّل بتوجيه ثلاث رسائل أساسية:
ـ الرسالة الأولى، إلى المسؤولين اللبنانيين، بضرورة تحمُّل مسؤولياتهم في إدارة الدولة وتأليف حكومة ومنع الفراغ الرئاسي وإيجاد الحلول اللازمة للخروج من الأزمة المالية، وحضّهم على الاتكال على أنفسهم، لأنّ أحدًا لن يساعدهم في حال عدم تحمّلهم مسؤولياتهم، كون لبنان بلدهم ومن غير الجائز استمرار سياسة المناكفات على حساب البلد والناس.
– الرسالة الثانية، إلى الشعب اللبناني، مفادها انّ الدول العربية لن تترك هذا الشعب الذي يعاني من أزمة غير مسبوقة، أدّت إلى ارتفاع منسوب الفقر والهجرة، وستقف إلى جانبه وتمدّه بالدعم المطلوب، من أجل ان يتمكن من الصمود لتجاوز أوضاعه الصعبة. وجاء توقيت انعقاد اللقاء بعد الانتخابات النيابية وقبل تأليف الحكومة، بمثابة تحية إلى الشعب اللبناني الذي بدّل في نتيجة الانتخابات، وانّ الدول العربية لن تسمح بانهيار البلد وفقدانه استقراره.
– الرسالة الثالثة، إلى الدول الغربية والإقليمية بضرورة مساعدة لبنان وتحييده عن النزاعات وتوفير مقومات الدعم والصمود لشعبه. وجوهر هذه الرسالة انّ الدول العربية لن تترك لبنان لمصيره ولن تسمح بإخراجه من المنظومة العربية».
وفي معلومات لـ«الجمهورية»، انّ الديبلوماسيين العرب عقدوا خارج إطار الاجتماعات الرسمية لقاءات جانبية وبعيدة من الإعلام، مع مراجع ومسؤولين لبنانيين، في محاولة لتكوين صورة متكاملة حيال ثلاثة استحقاقات أساسية:
ـ الاستحقاق الأول، هو الانتخابات النيابية التي جرت في 15 أيار الماضي، حيث أصرّ الديبلوماسيون على محاولة معرفة حقيقة التوازنات السياسية التي أفرزتها هذه الانتخابات، وما إذا كان هناك من أكثرية في يد فريق معيّن، وعلى أي أساس يمكن هذه الجهة او تلك ان تستميل هذا النائب او ذاك، وهل التموضعات هي نهائية أم انّ الاصطفافات تحصل حسب القضية المطروحة. وإلى ما هنالك من تساؤلات لمعرفة حقيقة ميزان القوى النيابي داخل البرلمان.
– الاستحقاق الثاني، هو تأليف الحكومة بعد تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تأليفها، وقد وصلوا إلى خلاصة مفادها انّ حكومة جديدة قبل الانتخابات الرئاسية لن تتشكّل، لأنّ العهد لن يتنازل قبل أشهر من نهاية ولايته، والرئيس المكلّف لن يتنازل لمصلحة تشكيلة تخدم العهد وتسيء إلى صورته ودوره كرئيس حكومة محتمل في العهد الجديد.
– الاستحقاق الثالث، هو الانتخابات الرئاسية، حيث حاول الديبلوماسيون معرفة من هم المرشحون خارج إطار المرشحين التقليديين، وما إذا كان «ح z ب الله» سيدعم ترشيح رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل أم ترشيح رئيس تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية أم شخصية أخرى من خارج الاصطفاف السياسي. وتساءلوا حول مدى قدرة المعارضة على توحيد صفوفها وتبنّي ترشيح واحد، وانّها في حال تمكنت من ذلك هل تنجح في إيصاله. وحذّروا من الفراغ الرئاسي، كون الوضع المأزوم في لبنان لا يتحمّل مسلسل الفراغ الذي اعتاد عليه هذا البلد، وكان له مساهمة أساسية في الانهيار الحاصل.