داود رمال- “أخبار اليوم”
اربعة ايام امضاها أمين سر الكرسي الرسولي للعلاقات بين الدول المونسنيور ريتشارد بول غالاغير في ربوع لبنان “البلد الاحب” على الكرسي الرسولي، وبطلب من الحبر الاعظم البابا فرنسيس حاملا قرب الأب الأقدس من الشعب اللبناني بكافة طوائفه، في الظروف الصعبة التي يمر بها، ولم تكن زيارة لمناسبة معينة، انما تكليف بابوي للاطلاع عن كثب ومباشرة على الوضع في لبنان الذي يخشى عليه في ظل ما يواجهه من مخاطر كبيرة جدا وفي ظل تحولات تشهدها المنطقة.
تعمّد غالاغير “الرجل الصلب والدقيق جدا” في ايصال الرسائل، الاستشهاد بفقرات مهمة جدا من كلام سبق ان قاله قداسة الحبر الاعظم الراحل يوحنا بولس الثاني عن لبنان، وقداسة الحبر الاعظم بنديكتوس السادس عشر الذي اكمل سلسلة الاحاطة المتينة للوضع اللبناني وصولا الى الحبر الاعظم الحالي البابا فرنسيس، من دون قطع مع أي حقبة حبرية كما يفعل بعض اللبنانيين الذين عندما يتحدثون عن الكرسي الرسولي لا يذكرون الا البابا يوحنا بولس الثاني والبابا الحالي في دلالة على افتقارهم الى أي ثقافة واطلاع عميق على تاريخ علاقات الفاتيكان مع لبنان، كما ان غلاغير لم يطرح مبادرة بنقاط محددة كما زعم البعض، ولو فعل لكان اعلنها”.
من المحطات البارزة في زيارة غالاغير اللقاء الذي جمعه مع شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي ابي المنى في دار الطائفة – بيروت، حيث سلم غالاغير الى شيخ العقل ميدالية تقديرية، واصفا اللقاء بأنه كان وديا وصريحا مع سماحة شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز ومنيرا للغاية، تعلمنا خلاله الكثير من أصول هذه الطائفة والتفاعل لسنوات عديدة بين الدروز والمسيحيين ومدى دعمهم لبعضهم البعض. وإني أحمل بشجاعة، أملا بمستقبل التعاون بين الدروز والمسيحيين وكافة اللبنانيين لما فيه صالح لبنان وخير شعبه. وهذا الكلام على لسان غالاغير يؤكد بما لا يقبل مجالا للشك بأن الفاتيكان لم يتعاط يوما مع الدروز على قاعدة تذويبهم في الاخر، انما كمكون مؤسس للكيان اللبناني ومن دونهم يفقد لبنان مقومات استمراره.
وما لفت ايضا، انه في كل مواقف غالاغير لم يستعمل عبارة العيش المشترك او التعايش، لانه لا يؤمن بأن اللبنانيين يعيشون كمكونات منفصلة، وهنا برز خلاف البابا يوحنا بولس الثاني مع الجنوح الى التقسيم ايام الحرب الاهلية ووقف ضد التقسيم بقوة، وهو من اخترع عبارة “العيش بهناء” واستخدمها فقط للبنان، كما ان الفاتيكان لا يمكن ان يقبل بدولة مختبر، لانه لا يمكن تحويل شعب الى مختبر تجارب لا لافكار شيطانية او تذويبية او الغائية(..) كون كل هذا يناقض “العيش بهناء”.
رسالة قاسية في تصويبها اوصلها غالاغير عندما استشهد بقول البابا يوحنا بولس الثاني بأن “لبنان اكثر من رسالة”، معقبا على هذا الوصف بالقول “لكي تفهموها يجب ان تضعوها في اطارها، كما ان مروحة اللقاءات الواسعة التي قام بها غالاغير وشملت كل المكونات تؤكد مرة جديدة ان العلاقات اللبنانية مع الفاتيكان لم تكن يوما محصورة بالموارنة وهي تسبق انشاء المدرسة المارونية في روما، هي علاقة تقاس بالقرون وليس بالسنوات”.
حضر غالاغير بتكليف من البابا فرنسيس للاطلاع على الاوضاع وليرفع تقريرا الى قداسته، التقرير سيكون غنيا بالوقائع المؤلمة ولن يتأخر غالاغير في تقديمه الى الحبر الاعظم، وعلينا انتظار اقرب مناسبة يطل فيها البابا متحدثا لنسمع “البلاغ العظيم”.