عرف اللبنانيون أيام عز السياحة ومواسمها الصيفية، ثقافة استثمار منازلهم الخاصة وتأجير بيت “العيلة” لبضعة أشهر صيفية فقط من السنة، خصوصا للسياح العرب الذين كانوا يؤمّون مع عوائلهم القرى الجبلية اللبنانية.
آنذاك لم تكن التطبيقات والمواقع الإلكترونية تقود من خلف البحار حركة التعاقد بين المؤجر والمستأجر، ولا ترشد السائح نحو الوجهات الفضلى التي يتبنى مديرو التطبيقات التسويق لها أو ترجيح أفضليتها و”كلّو بحقّو”.
لم تكن تلك الإستثمارات الجزئية لأهل قرى الإصطياف، تشكل أي تهديد جدي لقطاعي الفنادق والشقق المفروشة، لتفاوت الخدمات التي يقدمها كلاهما من جهة للسياح، والطبيعة العائلية للوافدين العرب إلى القرى الجبلية من جهة أخرى، وعليه انتفى كليا التضارب في المصالح، وحدد الإقبال وظيفتهما ومنافعهما.
بيد أن ظهور التطبيقات الإلكترونية مثل الـ Airbnb الذي يقوم بدور الوسيط بين السائح من جانب، ومالك منزل أو مسكن صالح لاستقبال أو استيعاب وافدين للسياحة في الربوع اللبنانية من جانب آخر، فتح الباب أمام الفوضى والعشوائية للدخول في الصناعة الفندقية. وهذا التحدي بات يهدد ما بقي حياً من الفنادق والشقق المفروشة، وتنذرهما بمزيد من الإنهيار والتراجع.
يخبر أهل القرى أنه قبل سطوع التطبيقات، كان السائح يأتي إلى ساحة البلدة، ويسأل عبر المختار أو البلدية عن منزل أو غرفة للإيجار. لكن اليوم وعبر تطبيق Airbnb الذي تأسس في آب 2008 في سان فرنسيسكو، كاليفورنيا، ويعمل في 192 دولة، اصبح السائح يعاين ويستأجر قبل أشهر من مجيئه، غرفة أو شقة في أي منطقة.
تربط هذه المنصة المسافرين بالمضيفين المحليين، وتمنح السائح فرصة توفير جزء من كلفة الإقامة، وتمكن المضيف من كسب المال واستثمار منزله. فهل من خطر حقيقي على القطاع الفندقي؟
بعيدا عن الوضع المأسوي الذي يعيشه القطاع الفندقي على خلفية سوء الاوضاع الامنية في لبنان وغزة، ثمة خطر من نوع آخر يقضّ مضاجع القطاع. فالقطاع الذي يدفع متوجباته كافة للدولة اللبنانية على رغم تراجع اعماله، أصبح مهدَّدا بشكل جدي من نمو قطاع الـ Airbnbالذي بات ينتشر بشكل عشوائي وغير منظم في لبنان، ومن دون أن يخضع لأي ضوابط مالية أو قانونية أو حتى أمنية.
“قطاع الـAirbnb بدأ يسجل نموا مرتفعا خلال الاعوام الأخيرة حتى بات لديه نحو 10 آلاف غرفة في أماكن مهمة في العاصمة بيروت وجبل لبنان ومختلف المناطق اللبنانية، مشكّلا منافسة غير مشروعة أو عادلة مع القطاع الفندقي والعاملين فيه كونه لا يستخدم اي عامل، وسيؤدي الى إقفال عدد كبير من المؤسسات الفندقية والشقق المفروشة”، وفق ما يقول رئيس نقابة أصحاب الفنادق في لبنان بيار الأشقر لـ”النهار”.
صحيح أن قطاع الـ “airbnb” منتشر في كل دول العالم، لكن انتشاره بطريقة منظمة وضمن اطار قانوني واضح، اذ يسدد مالك المنزل ما يتوجب عليه من ضرائب ورسوم، ويُجبر بتزويد القوى الامنية بأسماء المستأجرين، في حين أنه في لبنان “لا رقيب ولا حسيب”، وفق ما يقول الاشقر الذي يطالب “بإجبار كل مَن يعرض منزله على هذا التطبيق على الحصول على اذن من البلدية بغية تصنيفه كسكن تجاري، فتختلف عندها قيمة المنزل التأجيرية، ويصبح لديه رقم مالي يجبره على دفع ضرائب، كما يصبح ملزما بتزويد مديرية الامن العام أسماء النزلاء او المستأجرين”.
وبما أن تطبيق “airbnb” أجنبي، فإن بدلات ايجار البيوت المعروضة على التطبيق لا تُدفع عبر لبنان فيما يحصّل أصحاب المنازل أموالهم عبر حسابات خارج لبنان.
في الحديث عن الجهة المسؤولة عن تنظيم عمل هذا القطاع الناشىء في لبنان، يقول الأشقر: “المسؤولية مشتركة بين وزارة المال ووزارة الداخلية والبلديات”، منوها بأن “نقابة الفنادق تواصلت مع مديرية الامن العام اللبناني للمطالبة بحل هذه المشكلة، باعتبار انها مشكلة ذات بُعد أمني بالدرجة الأولى، لكن تبين ان القرار في هذا الشأن يجب ان يصدر عن وزير الداخلية والبلديات أولا، لذا سنتواصل مع الوزارة لمعالجة هذه المشكلة”.
وكان لافتا أخيرا، أن ثمة جرائم عدة ارتكبت في منازل استؤجرت عن طريق الـ”airbnb”، وهو ما أكده الاشقر الذي قال “ان لا رقابة في هذه البيوت على أفعال وسلوكيات المستأجرين، على عكس ما يحصل في الفنادق”.
المصدر – النهار