ألان سركيس – “نداء الوطن”
رفعت حادثة كوع الكحالة منسوب التوتر على الساحة اللبنانية. وعلى رغم بيانات التهدئة، لا يزال الشارع على غضبه، وكل المعلومات الأمنية تدلّ إلى تسبب أي حادثة مماثلة باشعال حوادث أمنية لا يعلم أحد كيف تنتهي.
يُعتبر الصدام بين المجموعات والأحزاب السيادية و»حزب الله» منطقياً نتيجة المواجهات المستمرة منذ سنوات، لكن وصول الأمر إلى مواجهة مباشرة في الشارع بين أنصار «التيار الوطني الحرّ» و»حزب الله» فهذا يعني إنتهاء «تفاهم مار مخايل» الذي قام على أساس تغطية «التيار» سلاح «الحزب» مقابل مكاسب سلطوية.

وبعد أيام على انتهاء الحادثة، يعمل «حزب الله» على لملمة الأجواء، فهو يحاول إلصاق الحدث بـ»القوات اللبنانية» والحلفاء، لكن الحقيقة تقول إنّ «الحزب» تصادم مع كل أهالي الكحالة على اختلاف ألوانهم السياسية، وفادي بجاني قريب من «التيار» ونعاه حزب «وعد» وليس منتمياً إلى «القوات»، وإلا كانت المشكلة أصعب حسبما صرّح عدد من مسؤولي «التيار»، وكلفتها أكثر بكثير على «الحزب».
ومن ناحية التحريض، يحاول بعض العونيين الذين ما زالوا في الدائرة الفكرية لـ»حزب الله»، إلقاء اللوم على «القوات» والكتائب وشخصيات 14 آذار نتيجة تحريضهم على «حزب الله» منذ فترة، وفات هؤلاء أنّ من قاد موجة التحريض على «الحزب» منذ أشهر هو رئيس «التيار الوطني» النائب جبران باسيل وساهم في إقفال الساحة المسيحية في وجه «الحزب» نتيجة تمسك «الثنائي الشيعي» بفرض رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية مرشحاً خلافاً لإرادة المسيحيين.
إذاً، كشفت حادثة الكحالة، هشاشة الوضع الداخلي الحاضن لـ»حزب الله»، وأعادت إلى الأذهان قول أحد العونيين بعد محاولة حركة «أمل» الدخول إلى الحدت، أنّه «عندما يُدقّ بالمناطق المسيحية وبالصليب لا تعود هناك قوات أو كتائب أو أحرار أو عونية، بل نقف صفاً واحداً دفاعاً عن الوجود».
وإذا كانت الصورة الأكبر تدل على تأزم في العلاقة بين المسيحيين و»الثنائي الشيعي»، إلا أنها كشفت وجود تيارات داخل «التيار البرتقالي». ويعترف أكثر من مسؤول عوني بوجود تباينات حول المرحلة المقبلة وكيفية التعامل مع «حزب الله» ومشروعه وسلاحه وممارساته في إدارة الدولة، وهذا الأمر ينعكس على الشارع المسيحي، وهذه التيارات تتمثل بالآتي:
أولاً- أثبتت أحداث الكحالة وقبلها الطيونة وجود خطّ سيادي قوي داخل «التيار» لا يحبّذ ممارسات «الحزب» التي تذكره بالفدائيين الفلسطينيين، وهذا الخط وإن كان مهمشاً، فقد ظهر بقوة في أثناء حادثة الكحالة ويعبّر عنه بوضوح القيادي العوني ناجي الحايك، ويمثّل هذا الخط الغالبية داخل الشارع العوني، ويتكون من مناضلين ضد الإحتلال السوري وقدامى «الأحرار»، لكن مصالح قيادة «التيار» لا تجعله يظهر، في حين يبدو هناك تناغم واضح بين هذا الجمهور وجمهور «القوات» والكتائب والأحرار.
ثانياً- الخطّ الموالي لـ»حزب الله»، ويتكون في غالبيته من قوميين وبعثيين وشيوعيين، ومن كان يناصب القوات» وأحزاب «الجبهة اللبنانية» العداء، وانضوى تحت جناح «التيار الوطني»، وظهر إعلامياً بقوة بعد حادثة الكحالة، وحاول تحميل «القوات» والكتائب والأهالي بعض المسؤولية دفاعاً عن غلطة «الحزب»، وهؤلاء وإن خرجت قيادة «التيار» من عباءة «الحزب»، إلا أنهم يبقون تحت جناحه فقرارهم في الضاحية وليس في ميرنا الشالوحي.
ثالثاً- الفئة العونية التي كبرت وأخذت أدواراً مع تولي جبران باسيل زمام القيادة، وهؤلاء تربطهم شبكة مصالح خدماتية وسياسية، ومثلما يكون موقف باسيل يكون موقفهم، وكانوا إلى جانب نبض الشارع المسيحي في حادثة الكحالة، لذلك نزل النائب سيزار أبي خليل ليقف إلى جانب الأهالي بتوجيهات من باسيل.
رابعاً- الفئة المنتفضة على باسيل لأسباب «سلطوية» بينما تؤيد إستراتيجية «حزب الله»، وهؤلاء يمثلهم بشكل كبير عدد من النواب العونيين، وعلى رأسهم ألان عون الغائب عن الكحالة مع أنه ابن الجبل وسيمون أبي رميا، وهؤلاء أتوا إلى «القوات اللبنانية» لمحاولة إبرام صفقة رئاسية باعتبار أنّ رئيس «القوات» سمير جعجع ضدّ باسيل، لكن جواب جعجع كان صادماً لهم، واعتبر أنّه عليهم أخذ موقف علني ضد سلاح «حزب الله» ليبدأ التفاهم معهم، ومعراب لا تدخل في الخلافات الداخلية العونية، وليست هي المكان الصحيح لتصفية الحسابات، فلو تبدّل موقفهم من «الحزب» لكانت فتحت لهم أبواب معراب. وأمام كل هذه الوقائع، يعلم باسيل بعدم قدرته على ضبط نبض الشارع العوني والمسيحي ومنطقه، فعودته إلى أحضان «حزب الله» لإبرام صفقة رئاسية مكلفة، خصوصاً بعد رؤيته بأم العين عونيين صاروا في المناطق المحتدمة يسيرون خلف «القوات»، وبالتالي الوضع العوني صعب ويحتاج إلى قرار جريء للمعالجة مثلما موقف «الحزب» أصعب.