بقلم : العميد الركن المتقاعد زخيا الخوري
حلّ الصيف على لبنان، فتفاءلنا بقدوم المغتربين، وإستبشرنا بصرف العملة الصعبة في ربوعه، لينتعش ويكافح ما وصل إليه من فساد وإفلاس وإنهيار. في حين أننا تأمّلنا خيراً من المفاوضات الإقليمية الإيجابية، أكانت سورية – سعودية، أم سعودية – إيرانية، أم سورية – تركية، ولكن للأسف تعثّرت وعادت المخططات السابقة للتنفيذ، وفجأة تكثّفت الحوادث الأمنية في الآونة الأخيرة في سوريا، وعادت داعش لتمارس كمائنها، وإسرائيل لتعاود ضرباتها، وفي لبنان كثرت الحوادث الأمنية المتفرقة، تنذر وتحذّر من تدهور أمني يكمل إنهيار ما تبقى من جثة الدولة، تخلّلتها دعوات عربية وأجنبية بإجلاء رعاياها من لبنان، وإفتعال الحرب في مخيم عين الحلوة، وحادثة عين إبل، ومن ثم حادثة الكحالة، وصولاً الى محاولة إغتيال وزير الدفاع، ناهيك عن التهديدات الإسرائيلية للبنان، وأوروبياًَ الضغط لتوطين النازحين السوريين.
أما نحن اللبنانيين، نستثمر في كل هذه الأحداث طائفياً ومذهبياً، نؤجّج ونهيّج، ويسقط الأبرياء، فتتباعد الناس عن بعضها، ثم تعود المياه إلى مجاريها وكأن شيئاً لم يحدث، وتتغيّر الديموغرافيا فيه، ونتأقلم مع الواقع ولن نحرّك ساكناً. يمرّ ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي، ويقتطع العدو لمصلحته مساحة بحريّة لا بأس بها، فنوافق ولا نعترض.

إننا منشغلون بالصفقات والإصطفافات والتنافس على منصب الرئاسة وإنتاج أفكار في هيكلة الدولة، من اللامركزية الإدارية والمالية، الى الفدرلة، والتقسيم، ونتجاهل المشكلة الأساس عند اللبنانيين : أنهم عاجزون عن إنتاج رئيس للجمهورية لوحدهم، وإنما من خلال صفقة خارجية تنتج رئيساً، وهل هذه الصفقة يسبقها توتر أمني او مآس إقتصادية تفوق قدرتنا على تحملها، فتهوي بنا إلى قعر الفقر المضن.
هل حُلّل لنا ترف تمرير الوقت والتلطي تحت شعارات الحفاظ على البلد ونظامه ومؤسساته، لتتكرّس الديموغرافيا، ونتجه أكثر فأكثر بإتجاه الإفلاس والجوع والضياع، وينخر في جسد الوطن سرطان يسمى “سرطان زعماء الطوائف” الذين يأخذون البلد من حيث لا يدرون الى موت سريريّ وصولاً للموت النهائي، وعندها يكونوا قد قضوا على البلد وعلى حالهم، ولمصلحة من ؟
فيا شعب لبنان، وقبل فوات الأوان، إتّحد وقاوم هذا السرطان بجلسات من نبذ الطائفية، والإلتفاف حول الوطنية، ونبذ التبعية الداخلية والخارجية، وإطلاق الحوار فيما بينكم لمصلحة بلدكم، والضغط على مجلس النواب لإنتخاب رئيس لكل لبنان، وتشكيل حكومة وطنية كفوءة، تعيد تفعيل المؤسسات، وتكرّس المحاسبة، وتنفتح على جميع الدول الإقليمية والدولية، وتطالب بالحقوق الوطنية، وتعيد الحياة الى البلد ليتفادى تفشّي السرطان، والتخلّص من الموت المحتّم.