في عدّ عكسي بسيط، نجد أننا في اليوم 57 لوقف إطلاق النار، فيما لا يزال بعض المسؤولين والنواب في بلادنا يعتبرون أن الوقت يسمح لهم بفعل أو قول أي شيء.
إعادة تقييم…
ففي اليوم الثالث لوقف النار، لم يخرج بعض نواب الأمة من الضّحك على الناس بكلام لا يعبّر عن الواقع، فيما بات يتوجّب عليهم أن يُخبرونا عمّا في جُعبتهم لليوم 61، أي لليوم التالي لانتهاء وقف إطلاق النار، على مستوى القيام بكل ما يتوجّب عليهم للمساهمة بعدم تجدّد العمليات العسكرية.
فمتى يشعر المسؤول والنائب في هذا البلد بأن هناك أموراً كثيرة مطلوبة منه غير الكلام؟ وغير انتخاب رئيس للجمهورية فقط؟ وغير تشكيل حكومة؟ وغير ممارسة السياسة من أجل السياسة؟ ومن يُخبره بأن من واجبه إجراء إعادة تقييم كاملة لمراحل سابقة، من أجل تبيان الأخطاء، وعدم تكرارها مستقبلاً؟
مفارقة غريبة
أوضح الوزير السابق رشيد درباس أن “الحرب توقّفت، وهناك بعض الناس الذين أمضوا يوماً كاملاً بإطلاق النار احتفالاً بوقف إطلاق النار، وهذه مفارقة غريبة. ولكن رغم كل شيء، أنا أبرّر لهم ذلك لأن الجرح الحامي يدفع الإنسان الى القيام بسلوكيات يتوجب أخذها في الاعتبار”.
ولفت في حديث لوكالة “أخبار اليوم” الى أنه “إذا كان المجروح يحاول إنكار جرحه، فيجب تذكيره بأن هذا الجرح يحتاج الى علاج وتضميد ودواء. ولكن في المقابل، لا يحقّ لأي لبناني أن يشعر بأن الحرب حقّقت له أهدافه، نظراً الى أن جولة واحدة على كمية الدمار التي حصلت، وعلى عدد الشهداء والجرحى، وعلى سمعتنا السيّئة التي انتشرت، تؤكد للجميع أن لبنان كلّه انهزم في الحرب. وإذا كان هناك من يحبّ تحويل هذه الهزيمة الى انتصار كلامي، فله وقته ليمارس ذلك، ولكن الهزيمة يجب أن تتحول الى خروج منها، ومن الحالة السياسية السابقة، والى ترميم ما نجم عنها. ولذلك، لدى النواب الذين كانوا لا يحضرون الى البرلمان، والذين كانوا يعطّلون النّصاب، والذين يوجّهون رسائل التهاني منذ يومَيْن، لدى هؤلاء كلّهم مهمّة انتخاب رئيس للجمهورية الآن، والإسراع في الاستشارات لتشكيل حكومة جديدة، ومناقشة بيانها الوزاري، ومنحها الثقة بما يمكّنهم من استكمال عملهم هم أيضاً في وقت لاحق بمواكبة الحكومة، لأنها بحاجة أيضاً الى من يراقبها في عملها”.
تداخُل لبناني
واعتبر درباس أنه “خلافاً لكل ما يُقال عن أن الحرب ستتجدّد، أرى أنا أنها انتهت. لماذا؟ لأن “حزب الله” وافق على أن يبتعد عن مبرّر وجوده العسكري الذي هو حماية الحدود. وبالتالي، إذا أراد أن يقصف من بعيد، فإن لبنان سيُضرَب من بعيد وقريب أيضاً. والضرب من بعيد لا يُفيد أصلاً. ومن هنا، باتت معركة “الحزب” الأصلية الآن هي كيف يستعيد دوره السياسي، وكيف يقول إنه لم يخرج من اللعبة السياسية، وإنه لا يزال مؤثراً. هذا مع العلم أنه قام بشيء له دلالاته بالأمس، وهو أنه صوّت لصالح التمديد لقائد الجيش. فهو يتّخذ مثل هذا الموقف لأول مرّة، ويفترق عن (رئيس “التيار الوطني” النائب جبران) باسيل بهذا الشكل”.
وأضاف:”ما يجب أن يحصل مستقبلاً، هو معرفة الأضرار المادية والمعنوية والبشرية التي نتجت عن الحرب، وفحصها، ومعرفة كلفة معالجتها، ومن سيموّل تلك المعالجة، والترتيبات الداخلية لتمويل العلاج، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو إصلاحية، وشروط المساعدة مقابل الالتزام الواضح بالإصلاح، وانتخاب رئيس موثوق، وتشكيل حكومة موثوقة، واعتماد سياسة موثوقة، والخروج من سياسة المحاور، ومن الخطابات الفارغة، وبَدْء استرجاع الدولة”.
وختم:”الدولة اللبنانية مُشوَّهَة الوجه الآن، مبتورة الأذرع، وكسيحة الأرجل، ولا بدّ من استرجاعها. فهذا هو دور النواب حالياً. وفي الوقت نفسه، علينا أن نهجر اللغة العقيمة، لغة التحدّي والانتصار والتخوين. فنحن ضمن دولة لا مجال للعنصرية فيها، ومن يحاول التفريق بين شعبها هو مثل من يحاول تفريق فصول السنة عن بعضها، مُتجاهلاً أن كل فصل متداخل مع الآخر. فهذا هو التداخل اللبناني”.
أنطوان الفتى – وكالة “أخبار اليوم”