المركزية– في رحلة السعي إلى تحديد المسؤوليات في ما وصل إليه لبنان من انهيار نقدي ومالي، أعاد التسجيل الصوتي للمدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس ابراهيم إلى الأذهان تاريخ آذار العام 2020 حيث أعلن رئيس الحكومة آنذاك حسّان دياب تعثّر لبنان عن سداد ديونه من سندات الـ”يوروبوند”.. فكان هذا الإعلان “القشّة التي قصمت ظهر البعير” وأدّى إلى ما أدّى إليه من انهيار لا تزال تداعياته تتفاقم إلى اليوم.
ويبدو أن اللواء ابراهيم لم يكشف سرّاً في حديثه المسجّل، إذ أن الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود عايش هذا الحدث عن كثب، ويكشف لـ”المركزية” أن “الحاكم سلامة أبلغ شفهياً رئيس الجمهورية آنذاك العماد ميشال عون، وكذلك فعل في اجتماع مشترك في القصر الجمهوري وفي السراي الحكومي، حيث كان موقفه واضحاً وصريحاً بأنه يجب ألا يخلّ لبنان بسداد ديونه على الإطلاق، وإذا كان هناك من أي إشكالية فيجب إعادة التحاور مع الدائنين لإعادة جدولة هذه الديون، لأن الإخلال في السداد من دون وضع أي برنامج في المقابل، أي الإخلال غير المنظَّم، سيؤدي إلى إضعاف تصنيف لبنان عالمياً وبالتالي دخوله في نفق مظلم جداً”.
وعن الآلية التي كان سيعتمدها سلامة آنذاك لتسديد الدين، يقول: كان الحاكم سلامة على قناعة تامة بأن الأهم في استمرارية الوضع المالي أو النظام المالي، أن تبقى الثقة موجودة وعدم إشعار الناس بأن أموالهم في خطر. لأنه حتى لو لم يستطيعوا سحب سوى نصفها أو ثلثها، فسيكون هناك أشخاص آخرون يستثمرون في البلد وبالتالي سيضعون أموالهم في المصارف اللبنانية، مع التذكير بأن لبنان محط استقطاب رؤوس الأموال من الخارج. إنما كان هناك إصرار من قِبَل مستشاري الرئيس حسّان دياب على إعلان التعثّر!
ويبدي حمود رأيه في السياق، أنه “كان يجب ألا يخلّ لبنان بسداد ديونه وترك الموضوع لمصرف لبنان لمعالجته، من دون أي تدخل للحكومة أو رئاسة الجمهورية. لكن الأمور تفاقمت إلى حدّ صراع قصر بعبدا والسراي الحكومي ضدّ حاكم مصرف لبنان، فكان هذا الخطأ الكبير الفادح! فلو كان في إمكانهم إقالته في لحظة ما، لكان ذلك أشرف من نشوء صراع ضدّ حاكم البنك المركزي عند نشوب أزمة مالية”.
…”لا يجوز للقضاء محاسبة السلطة النقدية على سياستها النقدية” يؤكد حمود، “فالقضاء ليس الجهة الصالحة لمحاكمة السلطة النقدية.. ومَن من أركان القضاء يَفقه في السياسة النقدية؟! قد يجوز انتقاد سياسة الحاكم النقدية وتحديد الخطأ وليس أكثر من ذلك، علماً أن هذا الأخطأ يعود إلى العام 1988 أو ما قبل، فقد كانت سياسة سلامة النقدية نابعة من فكر الرئيس الشهيد رفيق الحريري ولم تكن فكر رياض سلامة… إنما الأخير عمل على توسعته وفق السياسة النقدية المرعيّة”.
ويخلص إلى القول “إن المشكلة الأساسية الحقيقية تكمن في أن معالجة الأزمة قد سبّبت أذىً كبيراً فاق الأزمة في حدّ ذاتها”، ويبرّر موقفه بالقول “صحيح أنه كانت هناك أزمات متراكمة منذ العام 2011 ووصلت البلاد إلى وضع صعب جداً، إنما معالجة الأزمة كانت أسوأ من حجم الأزمة.. وهذا ما أدّى إلى الانهيار الذي نحن فيه اليوم”. ويسأل “بعد مرور أربع سنوات، ماذا فعلت الحكومة ومجلس النواب لحل الأزمة؟! لا شيء. بل لا نزال في إطار المعالجات السيئة”.
ويختم حمود معتبراً أن “السياسة النقدية هي وجهة نظر والقرار إداري، لا شيء في التاريخ يُسمّى “لو فعل هذا أو فعل ذلك…” هذا الكلام لا مكان له في لغة السياسة النقدية والإدارة… لقد نجح سلامة في تثبيت سعر الصرف، وقام بهندسات مالية عديدة، واستخدم علاقاته العامة ووسائل الإعلام لإضفاء نوع من الثقة باستقرار الوضع النقدي… كل ذلك ضمن صلاحيات حاكم مصرف لبنان كما يُجيز له القانون”.
ميريام بلعة – “المركزية”