كتب : المحامي أنطونيو فرحات
لم يعد خافياً على أحد حجم الدرك الذي وصل إليه لبنان نتيجة السياسات المتعاقبة للمنظومة الحاكمة الغير آبهة إلاّ بمصالحها الشخصية على حساب المصلحة العامة،
فغدى الدستور والقوانين المرعية الإجراء بالنسبة إليها مجرّد وجهة نظر تفسّرهما غبّ الطلب.
نصّت الفقرة الثانية من المادة 64 من الدستور اللبناني بأنّ “الحكومة لا تمارس صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد إستقالتها أو إعتبارها مستقيلة إلاّ بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال.”
إلاّ أنّه لم يتمّ تحديد لمفهوم تصريف الأعمال في الدستور اللبناني لذا كان للقضاء الإداري الدور في تفسير المعنى حيث صدر عدّة قرارات عن مجلس الشورى أهمّها القرار 614 تاريخ 16/12/1969 حيث إعتبر القرار المذكور أنّ الأعمال تنقسم إلى أعمال عادية التي تنحصر مبدئيًّا بالأعمال الإدارية أي الأعمال اليومية، والأعمال التصرفية تلك التي ترمي إلى إحداث أعباء جديدة أو التصرف بإعتمادات هامة أو إدخال تغيير جوهري في أوضاع البلاد السياسية والإقتصادية والإجتماعية وهذه الأعمال تخرج بطبيعتها عن نطاق “الأعمال العادية” ولا يجوز لحكومة مستقيلة أن تقوم بها.
إلاّ أنّ مجلس الشورى إستثنى من الأعمال التصرفية نوعين من الأعمال، تدابير الضرورة التي تفرضها ظروف إستثنائية تتعلّق بالنظام العام وأمن الدولة الداخلي والخارجي.
والأعمال الإدارية التي يجب إجراؤها في مهل محددة بالقوانين تحت طائلة السقوط أو الإبطال وبالتالي هذان النواعان من الأعمال يمكن للحكومة المستقيلة القيام بها حرصاً على سلامة الدولة وأمن المجتمع.
فإذا كان يصحّ لحكومة تصريف الأعمال إعداد الموازنة وإرسالها إلى مجلس النواب هل يحقّ للأخير التشريع في ظلّ شغور الرئاسة الأولى ووجود حكومة تصريف الأعمال؟
هنا لا بدّ من التفريق بين وجود رئيس للجمهورية وحكومة مستقيلة وشغور رئاسي وحكومة مستقيلة.
ففي حال كان يوجد رئيس للجمهورية والحكومة كانت مستقيلة أو معتبرة مستقيلة يجوز لمجلس النواب أن يجتمع لمناقشة مشاريع القوانين الواردة إليه سابقاً من الحكومة أو إقتراحات القوانين لأنّه لا يوجد مانع دستوري يحول دون إلتئام المجلس النيابي سيما أنّ عمل السلطة التشريعية مستقل عن عمل السلطة التنفيذية وفقاً لمبدأ الفصل بين السلطات.
أمّا في حال الشغور الرئاسي ووجود حكومة معتبرة مستقيلة لا يجوز لمجلس النواب أن يجتمع إلاّ لإنتخاب رئيس للجمهورية سيما أنّه يوجد مانع دستوري واضح وصريح يتجلّى بالمادة 75 منه حيث نصّت على أنّ المجلس الملتئم لإنتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة إنتخابية لا هيئة إشتراعية ويترتّب عليه الشروع حالاً في إنتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أي عمل آخر.
مما يفيد وبشكل جازم أنّ المجلس النيابي لا يحقّ له التشريع أو مناقشة أي إجراء أو أي موازنة قبل إنتخاب رئيس للجمهورية لما له من أهمية قصوى وأولويّة على سائر المواضيع التي قد تطرأ على البلاد.
بناءً على ما تقدمّ، متى سقط الدستور في تفسيرات إرضاءً لوجهات نظر سياسية سقط معه الوطن لعدم وجود ناظم حقيقي يفصل بين متخاصمين في السياسة.